مساحة إعلانية
المقدمة
"إسحاق روحي"... حين يكون الاسم سيرة، والقلم سُلّمًا روحيًا للإنسان.
في زمنٍ تتعثر فيه الكلمات وتتشابه الوجوه، يبقى لبعض القلوب نُورُها المختلف، ولبعض الأقلام طَعمُها الذي لا يُشبه سواها.
ضيفنا في هذا الحوار ليس مجرد كاتب صحفي أو أديب، بل هو حالة إنسانية تمشي على سطر، وتترك في كل نقطة حبر أثرًا لا يُنسى.
كتب عن الناس لا ليصفهم من الخارج، بل ليحكيهم من الداخل.
حاور، وكتب، وأصدر، وأضاء دروبًا كثيرة في صمت، دون أن يبحث عن وهج.
"إسحاق روحي" هو الاسم... لكن خلفه، يقف رجل جعل من الكلمة وطنًا، ومن القارئ مرآةً، ومن الحبّ حياة.
في هذا الحوار، نقترب من ملامحه الخفية: من ذاكرته، من أحلامه التي لم تكتمل، من علاقاته التي تشبه الشعراء لا المراسلين، ومن قناعاته التي لا تمشي بـ"نصائح التحرير"، بل بخطى القلب والعقل.
المحور الأول: البدايات والهوية
*"إسحاق روحي"... كم يشبهك هذا الاسم؟ وكم فيه من إسحاق وكم فيه من روح؟
** هو يعجبني، رغم اني مسيَّر ولست مخيَّرًا.
و"إسحاق" معناه في اللغة القبطية: الضَحّاك، و"روحي" من الروح.
وأُحبه، لأني بالفعل أعشق الروح.
* هل تتذكر تلك اللحظة الفارقة التي أمسكت فيها بالقلم، لا لتكتب فقط، بل لتُشهره سلاحًا للحق والمعنى؟
** أول مرة أمسكت فيها القلم للكتابة بعيدًا عن المدرسة، لا أذكرها.
لكن أول مرة أشهرته كسلاح، طبعًا أتذكرها جيدًا.
كانت دفاعًا عن جمال عبد الناصر، ومقارنته بعصر مبارك.
ويومها، كانت أول مرة يرسل لي الأمن، ولم أكن صحفيًا بعد، بل كنت معروفًا أنني "بكتب في الجرايد" في بلدي.
* من الذي أمسك بيدك أول مرة وفتح لك بوابة الكتابة؟ ومن الذي أغلقها يومًا في وجهك؟
** الذي أتذكره أنني بدأت بالقراءة، ومن القراءة تكونت الحصيلة اللغوية، فكانت الكتابة.
كنا نسميها "تأليف"، وكنت أفرح جدًا حين أكتب أي شيء، وأعرضه على أستاذ اللغة العربية، وكان اسمه الأستاذ جاد الرب جاب الله.
وأول نصيحة قالها لي: "اقرأ، ثم اقرأ، ثم اقرأ".
وهي نفس النصيحة التي قالها لي الشاعر الراحل أبو المجد الصايم.
من القراءة جاءت الكتابة، وكنت مدمنًا لمراسلة كل الصحف والمجلات في مصر والوطن العربي، و90٪ منهم فتحوا لي صفحاتهم.
بدأت من "بريد القراء"، وانتهت بالاحتراف.
أما من أغلق باب الكتابة أمامي، فلا أتذكره؛ فلم يحدث معي أن قُوبل نص جيد بالرفض.
* ماذا يقول إسحاق روحي للطفل الذي كانه؟ وماذا يطلب منه أن يتذكّر الآن؟
** أقول له: ليتك ما كبرت، وما جئت القاهرة، وظللتَ في الصعيد تقرأ وتكتب وتعمل في أي مهنة...
فلحظات سعادتي الحقيقية هي حين أتذكّر أيامي في مكتبتي بالصعيد، وأنا أستمع إلى فيروز، وأقرأ، وأكتب، وأتناقش مع أصدقائي.
وكانت أغلب النقاشات مع أ. نبيل بقطر، فبلدنا كانت فقيرة... أو لنقل: جيلنا كان فقيرًا ثقافيًا، وعدد المثقفين فيها أقل من القليل.
وكان التواصل معهم صعبًا، لذا أدباء وشعراء فرشوط كانوا إما يتجهون جنوبًا إلى نجع حمادي وقنا، أو شمالًا إلى أبو تشت وسوهاج.
* ماذا عن أسرتك؟ هل ثمّة من يسير على الدرب ويحمل الشعلة من بعدك؟
** الكتابة هواية وموهبة واختيار، وليست وراثة.
ولا يوجد في أسرتي من يتجه إلى الأدب أو الصحافة، فهم يفضلون الدراسة العلمية، مثل والدتهم.
الكتابة... سؤال الوجود والمعنى
* ما الذي يدفعك للكتابة؟ أهو الحنين؟ أم الغضب؟ أم محاولة للنجاة؟
** هي طاقة تخرج على الورق.
بالنسبة للصحافة، فهي مهنة، ومهما تحقق فيها ستظل مهنة.
أما الكتابة الإبداعية، فهي اختياري.
فأنا أكتب لي أولًا، وثانيًا، وثالثًا، وعاشرًا...
نعم، أكون سعيدًا جدًا وأنا أخلق نصًا على الورق.
كون هذا النص يُقرأ أو لا، يعجب البعض أو لا يعجبهم، فهذه ليست إشكاليتي.
أنا أكتب لسعادتي، لذا هناك كثير من المواقف، والأقوال، والكلمات، أكتبها وأنتظر عليها... وغالبًا لا تكتمل.
* لو لم تكن كاتبًا... ماذا كنت ستكون؟ وهل يمكنك تخيّل حياة دون ورق وقلم وصوت داخلي يُلحّ على البوح؟
* *كنت سأصبح تاجرًا مثل أبي، هذا بالنسبة للمهنة.
أما تخيّل حياتي بدون قراءة أو كتابة، فبصدق لم أفكر فيه،
لكن أعتقد أنني سأموت بدون الورقة والقلم.
ولا أتحدث عن الصحافة، ولكن عن الإبداع.
* في مشوارك الطويل، هل هناك لحظة مفصلية غيّرت مجرى تفكيرك أو كتابتك؟ لحظة لم تعد بعدها كما كنت؟
** نعم، هي لحظة اختياري للحبيبة، التي هي زوجتي الآن.
فقد رأيت أنني لو استمررت في الصعيد، فلن أصل لشيء، وسأفقد حب عمري.
فطموحها كان كلية الطب، ومن الصعب في الصعيد أن يرتبط تاجر عادي بدكتورة.
فكانت الدافع الأول، بل الوحيد، للخروج من الحيز الضيّق إلى الأرحب.
وأقرب مهنة للمبدع هي الصحافة، رغم إرهاقها.
أما الكتابة، فلا توجد بها مرحلة انتقالية؛ الكتابة معي منذ سن الحادية عشرة، تتطور بتطور الثقافة، والحصيلة اللغوية، والحياتية.
* حين تنظر في مرآة الأيام، كيف ترى نفسك الآن؟ هل تصالحت مع ما كنت، أم أنك لا تزال تُنقّب عن نسختك الأصدق؟
** لا زلت أُنقّب عن نسخة كنت أتمناها، لكن لم أجدها.
ونفسي أجدها يومًا واحدًا... وبعدها أموت.
بين الأدب والصحافة... ضفتان لا تفترقان
* كتبت القصة والرواية والمقال... لكن ما الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟
** القصة، بالطبع؛ لأن حياة الكون كله — بشر، وشجر، وماء، ووجهٌ حسن — هي قصة.
* أنت تعيش بين ضفتين: الصحافة والأدب... كيف توازن بين سيف الحقيقة وخيال الحكاية؟
** الصحافة مهنة، وكما قلتُ: هي أقرب مهنة يمكن أن يمتهنها المبدع.
أي إن الصحافة يمكن أن تتعلّمها، لكن الإبداع لا يمكن أن تتعلّمه؛ فالخيال خيالك أنت وحدك،
بينما الصحافة فكرة، يمكن لأي صحفي أن يكتب فيها ، ولا أعرف أن أوازن بينهما، فالصحافة تأكل الإبداع — للأسف — لأنها سريعة، ولا تُمهلك أن تأخذ نَفَسك من تلاحقها.
* من يسكنك أكثر: الصحفي أم الأديب؟ وهل يطغى أحدهما على الآخر في لحظات بعينها؟
** الأديب يسكنني أكثر، ولكنني أضعه في قلبي وعقلي، وأُغلق عليه بمليون مفتاح، ولا أتذكّره إلا حين أعيش معه بالليل، والموسيقى تصدح... وأُقدّم كشف حساب دائم، وللأسف دائمًا ليس في صالحي.
التحولات والمشهد الإعلامي
* تعمل بالصحافة منذ 1986... ما الذي تغيّر؟ وما الذي بقي عالقًا في ضمير المهنة رغم تغير الوجوه؟
** الصحافة نفسها تغيّرت... المهنة باقية، ولكن الصحفي المثقّف، للأسف، تراجع كثيرًا. نحن كنا جيلًا محظوظًا بالأساتذة. أما منذ 2011، أصبحت كل الأشياء في الكتابة سمك لبن تمر هندي.
وكثيرون يرون الصحافة مجرّد شهرة، بل إن بعضهم يتمنّى امتهانها كي يبتزّ الآخرين.
أقول لك: هناك من لا يعرف الإملاء، وهو يُسمّى صحفيًا! بل هناك من يوجد في المهنة اسمًا فقط، ولكنه لم يكتب حرفًا بيده. في بداياتنا، لم نرَ ما نراه الآن نهائيًا.
* كيف ترى دور الصحفي الآن؟ وهل تآكلت سلطته أمام ضجيج السوشيال ميديا؟
** دور الصحفي كما هو، ولكن المقصود هو الصحفي الحقيقي، وليس من اتّخذ الصحافة مهنة دون مبادئ أو قواعد.
* من موقعك كصحفي وأديب... هل ترى أن الإعلام ما زال حاضنًا للفكر والثقافة؟ أم أنه انزلق إلى سطح لا يعكس عمق الكلمة؟
** الإعلام الحقيقي حاضن للفكر، ولكن القارئ الذي يقرأ هو من تراجع.
* أين تقف حرية الرأي؟ وهل الإعلام لا يزال منصة للمجاهرة بالحقيقة أم أنه صار يمشي بين النقاط؟
** حرية الرأي تقف مكانها... محلك سر. والنقاط هي التي تُحدّد ما يُكتب، وما يُجهر به، وما يُمنع.
الصحافة الورقية والرقمية
* ما مصير الصحافة الورقية في عصر الرقمنة؟
** الصحافة الورقية تمرض... ولكن لا تموت. لو أن المحتوى جيد، ستستمر.
أما إن كان المحتوى سيئًا، فستظل مريضة.
عن الصحفيين الشباب
*كيف ترى واقع الصحفيين الشباب اليوم؟ هل يجدون فرصًا حقيقية لتعلّم الصنعة؟
** الذي يحب المهنة سيجد. لكن لا بدّ أن يكون نَفَسه طويلًا، ولا يمرّ عليه يوم إلا وقد استفاد بالقراءة والمتابعة. أي أن يحيا الصحافة، وتكون معه في صحوه ومنامه. ومؤكد سيجد الفرصة... وسينجح.
* هل تنصحهم بالصبر والتمسك بالمبادئ؟ أم بالواقعية والانخراط في موج التغيير؟
** أنصح بالصبر، ولكن لا بد ألا يعتمد على الصحافة ماديًا في البداية. أي لا بد أن يعمل أكثر من عمل، حتى تعطيه الصحافة ما يكفي ليستقل بها بعد ذلك. وأذكر أنني كنت أعمل مُدرسًا للأطفال في بداية حياتي الصحفية ،لأنني كنت "فرد بطولي"، ولا يكفيني العائد "عيش حاف"! ولكن، بمجرد أن تحسّن العائد من الصحافة، تركت كل شيء وتفرّغت لها. وأقول "تحسّن"، لا "يكفي"!
* هل الصحافة تُولد معك أم تُصنع؟ وهل يمكن لصحفي أن يكون عظيمًا بلا شغف؟
** الصحافة حب، ثم تعلّم. ولا يوجد صحفي — لا عظيم ولا غير عظيم — دون شغف وإضافة.
الإنسان في قصصك ووجدانك
* ما ملامح الإنسان الذي تكتبه في قصصك؟ وهل تعتبر نفسك "قلمًا للناس" أم "قلبًا يحكي عنهم"؟
** الإنسان في قصصي هو ما أبحث عنه، أو ما أتمنى أن يكون عليه الإنسان الذي بداخلي.
وأعتبر نفسي في الإبداع قلبًا يحكي لهم، وعنهم، وعني.
* كتبتَ عن الحب، السلام، والحقوق الإنسانية... من أين يأتي هذا النبع؟ ومن هم من تسقيهم كتاباتك؟
** الكتابة الإبداعية موجّهة للجميع دون تمييز. أما النبع، فهو مُلقى في الطرقات: القراءة، الشوارع، الناس، المواقف، الأحلام... كل شيء هو وقود للكاتب، وزخيرة يستخدمها حين يكتب.
* ما أصعب موقف إنساني مررتَ به ككاتب أو صحفي؟ وما الذي تركه داخلك من أثر؟
** هناك مئات المواقف، وكلها — للأسف — قاتلة ومحزنة. وهي خاصة طبعًا بمن كنت أكتب عنهم، أو أقوم بإعداد تحقيق أو تقرير صحفي عنهم. وهي مواقف تبدأ من غرف تحت سابع أرض، لأشخاص يحيَون في ناطحات سحاب... فالصحافة تجعلك ترى ما لم يتخيله بشر.
* تم تكريمك من قبل المنظمة المصرية لحقوق متحدّي الإعاقة... ماذا تعلّمت من هذا العالم النبيل؟
** هؤلاء هم المتحقّقون. هذا العالم أنا ظللت فيه أكثر من 4 سنوات، وما رأيته منهم هو ما كوّن جزءًا من شخصيتي. وأنا فخور بهم في كل وقت، ولهم جزء في قلبي لم يحتله أحد.
محطاتك الشخصية والمهنية
*جريدة "منبر التحرير" التي أنشأتها على نفقتك الخاصة... من أين جاءت الفكرة؟ وما الذي أردتَ أن تصرخ به عبر هذا المنبر؟
** الفكرة جاءت مما مررنا به في صحف مستقلة، يسيطر عليها رأس المال، لا المهنة. لكن الجريدة مشروع بيني وبين صديقي مرتضى العمدة. هي مشروع تجاري، ليس شرطًا أن يحقق أرباحًا خيالية، ولكن يكفينا أننا نقول ما نريد... أو هكذا تخيّلنا.
* ألم يساورك الخوف من المغامرة؟ أم أن للحرية ثمنًا لم تتردد في دفعه؟
** لم أَخف؛ لأن قلمي معي. ولو فشل المشروع، فعادي... لست أنا من فشل، ولكن المشروع.
* مؤسسة النبأ الوطني، الأنباء الدولية، مجلة الهلال، جريدة خط أحمر، منبر التحرير... ما المحطة التي صنعتك؟ وما المحطة التي كسرتك؟
** التي صنعتني طبعًا هي مؤسسة النبأ، فهي من احتضنتني، وكان الأستاذ ممدوح مهران — رحمه الله — لا يبخل عليّ بشيء. وأقصد الكلمة، فمهما طلبت، كان يقف معي. لدرجة أنني صدّقت أن الجريدة ملكي أنا! فقد أُعطي لي مساحة غير محدودة، فكانت محطة الانطلاق. أما المحطة التي كسرتني، فهي منبر التحرير، لأن الإداريات تقتل أي إبداع. وكنت أحلم أن أحقق فيها أشياء كثيرة، لكن — للأسف — لم أستطع حتى الآن.
* كيف تُوازن بين انشغالك بالواقع اليومي وحلمك الإبداعي؟
** للأسف، لا أعرف. فالواقع سيئ جدًا، ونلهث بشكل لا يتصوره أحد، ومحروم — حرمان لا حدود له — من متعة الإبداع.
* لو خُيّرت أن تعود لنقطة واحدة في حياتك لتعيد صياغتها، ما هي؟ ولماذا؟
** نقطة الصحافة؛ لأنها تأكل الإبداع، رغم ما فيها من مميزات، لكن هذه المميزات تكون لمن يمتهن الصحافة فقط، وليس لمن يسكنه مبدع... أو هكذا أُخَيِّل لي.
شركاء القلب
* حدّثنا عن دور الدكتورة إيرين نظير في حياتك. ما الذي تعلّمتَه منها كإنسانة؟
** هي كلّ شيء، فهي كلمة جامعة مانعة. لم أتعلم منها فقط، بل تعلّمنا معًا. فهي الحلم الوحيد الذي تحقق،
وأنا راضٍ عنه 100٪، وأعتقد أنه لا يوجد حلم آخر سيتحقق سواها.
* هل أثّرت على ذائقتك الأدبية أو الصحفية؟ وهل تبادلتما التأثير في الرؤية والمعنى؟
** كثيرًا جدًا. فهي المرآة الحقيقية لي، على المستوى الشخصي، والأدبي، والصحفي.
* الكاتب نبيل بقطر... كيف بدأت هذه الرفقة؟ وما الذي يميّزها؟
** بدأت بالصدفة، عن طريق طرف ثالث، فهو لم يكن من جيلنا، بل يسبقنا بثلاثة أعوام. وحدث تعارف، وتناغم، وكيمياء، لأننا نحب نفس الشيء. النقطة الأخرى: مجموعتي ومجموعته لم يكن فيهما من يكتب، فالتقينا وتوحّدنا منذ أول تعارف، وحتى كتابة هذه السطور. وكأي علاقة، تعلو وتنخفض، ولكن في النهاية... مستمرة. وهذا ما يميزها: إنها لا تنتهي، ولن تنتهي.
* هل يمكن أن تُكتب سيرة أحدكما دون أن يُذكر الآخر؟ ما الذي تتشاركانه رغم الاختلاف؟
** لا يمكن الكتابة عن أحدنا وحده؛ فالتداخل بيننا له أكثر من 40 سنة. يوجد نقاط تلاقٍ واختلاف،
لكن تبقى الإنسانية شعارنا معًا.
الحوارات الصحفية
* من بين الحوارات التي أجريتها... هل هناك حوار غيّرك أنت قبل أن يغيّر القارئ؟ احكِ لنا عنه؟
** جميع الحوارات تُغيّر فيّ جزءًا ما، قبل أن تغيّر القارئ. حتى لو كان حوارًا تافهًا، ففيه أعرف أنني أقوى من هذا "المسؤول التافه" مثلًا! أنا أستفيد إنسانيًا من الحوار، والمقال، والقصة، والرواية، والمقطوعة الموسيقية... بل تكويني هو كل ما سبق.
* شخص تمنّيت أن تحاوره ولم تستطع؟ ولماذا؟
** لم يحدث، للأسف، أن تمنّيتُ محاورة أحد ولم أستطع.
بدون مونتاج
* موقف طريف أو غريب حدث لك في عالم الصحافة؟
** قمت بإجراء حوار مع إحدى الشخصيات الهامة لمدة ساعتين، وعند الذهاب للجريدة، وجدت الشريطين فارغين تمامًا بسبب عيب في الكاسيت! فقمت بتأليف الحوار كاملًا، وفوجئت — بعد النشر — برسالة شكر وصلتني مع رئيس التحرير، والفرحة مش سايْعاه من جودة الحوار!
* النقد أم التكريم؟
** النقد.
* رواية لم تنتهِ بعد؟
** فيفي.
* لحظة في مسيرتك لا تُنسى أبدًا؟
** أول تحقيق معي في مكتب النائب العام.
* حلم لم يتحقق بعد؟
** كتير.
* بين المهنة والحلم... من أنت حين تكتب؟
** أنا إنسان أخلق شخصيتي التي أريدها على الورق.
* لو أصبحتَ وزيرًا للإعلام، ما أول قرار ستتخذه؟
* الاستقالة.
في الختام
** في نهاية هذا اللقاء… ما الرسالة التي تودّ أن تتركها للجيل الجديد من المبدعين، خاصة أولئك الذين يخطون أولى خطواتهم من قلب الصعيد، ويواجهون ما واجهتَه من تحديات؟
** لا تيأس… لو وضعتَ حلمك أمامك، ستحققه. خاصة لو كنت رجلًا — وليس تحيّزًا — لكن الرجل لديه فرصة أن ينام على الرصيف، وهو ما تُحرَم منه الأنثى.
*في الختام، لو تركنا لك المساحة لتكتب سطرًا بلا سؤال… ما الذي كنتَ لتقوله؟
** ما دمتَ فقدتَ الاشتهاء… فأنت ميت.
* وما الفكرة التي تمنّيت أن نُثيرها ولم نفعل؟
** لا يوجد.
تلغراف
*في لحظة تأمّل صامتة... لو سنحت لك الفرصة لإرسال "تلغراف" لمن ترك فيك أثرًا طيبًا لا يُنسى – شعريًا أو إنسانيًا – فلمن ستوجّهه؟ وماذا ستكتب؟
** إلى زوجتي…
أنتِ التي لن تنتهي.
الخاتمة
في نهاية اللقاء، لا يمكننا إلا أن نقف احترامًا أمام تجربة نسجت مسيرتها بخيوط المعاناة، والمواقف، والولاء للحقيقة.
إسحاق روحي ليس فقط صحفيًا بارعًا أو أديبًا ذا نبرة خاصة، بل هو إنسان يمارس الكتابة كما يُمارس الحب... بقلق، وصدق، وإيمان دفين بأن الكلمة إذا لم تكن حيّة، فلا داعي لها.
خرجنا من هذا الحوار بأكثر من إجابات... خرجنا برؤية. فهو يكتب لأنه لا يستطيع ألا يكتب.
يحاور لأنه يفتّش عن الإنسان، لا عن السبق الصحفي. ويحيا بقلبه أكثر مما يحيا بمهنته.
لكل من يسير في طريق الكلمة من قلب الصعيد، هذا الحوار شاهد على أن الحلم وإن تأخر، لا يموت... وأن الروح حين تصدق، تكتبنا كما نكتبها.
أُجري هذا الحوار ضمن سلسلة "حوار مع مبدع إنسان" التي تُعدّها وتُقدّمها الكاتبة والشاعرة همت مصطفى، والتي تسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على الوجوه الإنسانية للمبدعين الذين يحملون الجمال في أقلامهم وقلوبهم، بعيدًا عن ضجيج الأضواء وقوالب الإعلام التقليدية.