مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث/ عبد الستار سليم يكتب:حول تعدد ألوان الشعر الشعبي

2024-09-29 02:15:19 -  تحديث:  2024-10-06 04:23:35 - 
الشاعر والباحث/ عبد الستار سليم يكتب:حول تعدد ألوان الشعر الشعبي
الشاعر والباحث عبد الستار سليم

قديما قال الجاحظ " مقوّمات العمل الإبداعى  اللفظ والمعنى ، فليس الشأن فى إيراد المعانى ، وإنما هو جودة اللفظ وصفاؤه " 

 و لا  يُصبح النصُّ نصّا إلا إذا كان رسالةً لغوية تشغل حيّزا  معيّنا ، فيها جدلية، محكمة مضفورة  من المفردات  والبنية التشكيلية ، والوحدة الموضوعية ، وإلا إذا اكتملت عناصر الموهبة  الفنية المتوهّجة ، وعدم اقتصار  وحدتها على الوزن والقافية  دون المعنى ، وهذا لا يتأتى مالم يتمتع الشاعر بطاقة هائلة ، وقدرة فذة ، على طرح التراث  بإبداع جديد جذّاب ، وبصورة  بالغة التركيز والاتساق  والسلاسة والطرافة ، فالفكرة فى الشعر عنصر رئيس..!
وقوالب الفن القولى الشعبى  متعدّدة الأنواع والأسماء ، وكل نوع منها ينتسب إلى منطقة مجتمعية بعينها ، فكل مكان له تجاربه الخاصة ، وطريقته فى التعبير عن هذه التجربة ، وبلهجته الخاصة ، والتجربة لا تُعطَى ولا تُستعار ، وإذا اتخدنا من صعيد مصر مثالا على ما نقول ، فسوف نجده زاخرا بشتى أنواع التراث القولى ، ففى ما يُعرف بـ "منطقة قنا" الحالية ، وما يجاورها ، نجد الفنون القولية ، كالعديد، وفن الواو ، وفن الموال ، كما نجد النميم ، والكف ، فى أسوان والبحر الأحمر، ومن فضل القول أن نذكر أنه لكل أدب بيئته التى لا يمكن فصله عنها ، ولا ينجح  من لم يخاطب الناس  بلغتهم ، أى اللغة التقليدية التى أقاموا عليها، وعرفوا بها أنفسهم وتقاليدهم ، ووجود التواصل الحار بين المبدع والناس بطريقة " القوالة " هذه - مع مراعاة أن خلق مربع فن " الواو " عملية معقدة - تعتمد على منطق اللغة ، أقصد قربها من أو بعدها عن وجدان  جمهور المتلقين ، كما تحتاج إلى وعى كبير بطبيعة هذا الفن شديد الخصوصية  ، هذا الفن الذى كان و سيظل نتاج ثقافة خاصة ضاربة فى أعماق  الأرض المصرية الجنوبية ، و كذلك يحتاج بصيرةً واقعية بالجمهور الذى أدمن لعبة المربع الفنية ، فالجمهور  يحاور الصياغة الفنية  بالحسّ ، ويستطيع دائما تبين جيّد الشعر من رديئه ،وهم لا يقنعهم إلا أن يكون النص  مرآة لضمير الجماعة، ترى فيه وجهها  و تاريخها وأحلامها ، فى لغة لا تبتعد عن لغتها اليومية .. ومجمل القول أن  منطق اللغة هو فى اقترابها من أو ابتعادها عن  الوجدان العام  للناس .. والشاعر الشعبى فرد  فى جماعة ، يشاركها كل حياتها الطبيعية ، من عاداتها وتقاليدها ولغتها ، فهو مفوّض فى التعبير عنها ، وتأتمنه على تراثها،  وهى التى  تعطيه خبرتها الطويلة ، وتعطيه القوانين الفنية التى يعبّر بها ، والموضوع  الذى يهتم به ، و  تستطيع أن تسلب منه ذلك التفويض فى التعبير عنها ، حينما يُخطئ أو  يُدخل فى قولها  ما ليس منه ، أو يُقصّر فى طريقة التعبير ، أو لا يُخلص فيما تمّ تفويضه فيه ، فتسحب اعترافها به  فى أى لحظة ، وعلى القوّال أن يكون متأكدا من أن رقابتها على فنه  تتم يوميا .. !

مساحة إعلانية