مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا أزعم أنني عرفت الرجل كصديق .. لكنني التقيته ثلاث مرات .. وتحادثنا تليفونيا ربما لمرتين أو ثلاث .. ولمن لا يعرف الرجل هو مؤلف موسيقي مصري بارع .. له كثير من المؤلفات الموسيقية المصرية .. ولحن أكثر من أوبرا منها ما قدم على خشبة المسرح ومنها ما قدم مع الأوركسترا .. ومنها ما لم تتح الفرصة لتقديمه، وحتى إلتقينه لم أكن أعرف عنه شيئا .. فأنا لدي حساسية مفرطة لكل ما هو غربي .. وإن كانت تلك الحساسية لم تمنعني من إدمان سماع الكلاسيكيات الموسيقية الغربية أي الأعمال السيمفونية وكتابة الأوبريت.
لي صديق موسوعي المواهب اسمه (عبد الرحمن فتحي )عرفته كعازف بارع للموسيقي على معظم الآلات الشرقية والغربية، ثم اكتشفت أنه فنان تشكيلي من خلال تصاميمه لأغلفة روايات وقصص صديقي الروائي زكريا عبد الغني شفاه الله . ثم فيما بعد من خلال مشاركاته في بعض المعارض التشكيلية. وحين توثقت علاقاتنا عرفت أنه كاتب مبدع له اهتماماته بكثير من العلوم وخاصة الموسيقي والفيزياء والاقتصاد، هو خريج كلية الزراعة، وما لفت انتباهي لعبد الرحمن هو قدرته الفائقة على اكتساب صداقة من يشاء من الكبار والصغار أيضا. فقد كان صديقا للدكتور ثروت عكاشة والدكتور المسيري، وكان من بين أصدقائه الموسيقار كامل الرمالي في الوقت الذي كان فيه صديقا لي ولعمنا صلاح حسوبة ولشلة (الكباب).
عام 1995 بعد أن شاهد عبد الرحمن فتحي عرضا لأوبريت كتبته وقدمته فرقة أسيوط القومية للفنون الشعبية سألني: إنت كدا تقدر تكتب أوبرا ؟ لم أكن أعرف ماذا تعني أوبرا ولا كيف تكتب. قلت له أنا شاعر و(صنايعي) مسرح؛ لو كانت الأوبرا لها علاقة بالشعر أو المسرح فبالتأكيد أقدر . فال لي : الأوبرا عمل موسيقي شعري يقدم على المسرح وضرب لي أمثلة بأسماء أعمال لم أعرف منها غير اسم (أوبرا عايدة لفيردي ). سألته بتسأل ليه ؟ قال: لي صديق مؤلف موسيقي معروف اسمه كامل الرمالي.. سمعت عنه .. قلت له لا .. قال أعرفك عليه .. الراجل بيدور على شاعر يكتب له نص أوبرالي بالفصحى ..و يدفع نقدا .. فتحت سيرة (دفع الفلوس) شهيتي .. قال : تعرف .. ؟ فقلت : أكتب .. فأنا حين كتبت المسرح لم أكن أعرف يعني إيه مسرح.. !!
وكما يقول التعبير الشعبي: ما كدبش خبر .. ما هي إلا أيام حتى اتصل بي عبد الرحمن فتحي ليعرفني على الموسيقار كامل الرمالي .. بدا الرجل لي من صوته طيبا ككثير ممن عرفت من النصارى .. واتفقنا على اللقاء . وبالفعل إلتقيت الرجل .. صارحته من البداية أنني لا أعرف شيئا عن الأوبرا .. قال: أنا عرفت من عبد الرحمن .. أنك تكتب أوبريت بطريقة رائعة .. ما تقلقش .. الأوبريت تصغير لكلمة أوبرا بس الأوبرا الجانب الموسيقي فيها أكثر أهمية .. والنص الأوبرالي نص مسرحي بس فيها مواطن خاصة بالغناء الفردي والجماعي والغناء المتزامن .. شرح لي الرجل على عجالة بعض الجوانب الفنية .. واتفقنا أن أكتب له النص عن موضوع هو مهتم به .. وهو عن أسطورة ( نبوءة الساحر ديدي ) من التاريخ المصري الفديم. استهواني الموضوع .. فقد كنت أفكر في كتابة نص مسرحي عنه ، ولم أوفق إلى كيفية تناوله. وحينما عرفت أنه مستعد لدفع ألف جنيه .. قررت أن أكتب الأوبرا ..
أعطاني الرجل مهلة مناسبة، بحثت خلالها عن بعض المراجع التي تتكلم عن الأوبرا ، واستمعت إلى بعض الأعمال التي أعطاني بعض (شرائط الكاست) لها .. وبالتساهيل شرعت في كتابة العمل أولا كنص مسرحي، وشرح لي تليفونيا (عمي كامل الرمالي ) فكرة الغناء المتزامن الثنائي والثلاثي والرباعي .. وكنت أطلعه أولا بأول على ما أفكر فيه وما أكتبه .. حتى انتهيت من كتابة النص .. وأسميته ( ماعت ) وأظنه كان النص الثاني لأوبرا كاملة كتبت باللغة العربية وقدمها مؤلف مصري. .
وعلى (قهوة المعاشات) بالقاهرة التقيت الرجل .. سلمته النص المكتوب .. وتسلمت المبلغ المعتبر في ذلك الوقت .. وانقطعت صلتي بالرجل كما انقطعت صلتي بعد الرحمن الذي كان مشغولا في تصدير النخيل إلى أسبانيا ..
بعد عام أو يزيد اتصل بي المؤلف الموسيقي الكبير كامل الرمالي؛ وأبدى إعجابه بالنص وعلى وجه الخصوص بثلاثية ( بنت الملك) .. وبشرني مبتهجا أنه انتهى من تلحين العمل .. ( نبوءة الساحر ) لم أعترض على تغيير الاسم.. وسألته متي يقدمه .. قال أنه سيقدمه على مسرح الجامعة الأمريكية غناء . أما الانتاج كأوبرا فإنه يحتاج إلى تكلفة كبيرة وهو يدفع تكاليف الانتاج من جيبه .. شكرني ..وكان هو الأولى بالشكر لأني تعلمت على يديه ما لم يكن في أمكاني معرفته .. وما هي إلا شهور قليلة حتى سمعت نبأ وفاة كامل الرمالي ...!! أسأل الله العلي القدير الرحمة لعمي كامل الرمالي .. وأساله الشفاء لصديقي العالم المخترع المثقف الموسوعي عبد الرحمن فتحي ...
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
