مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الزيارة.. قصة إبراهيم الديب

2024-06-07 17:57:18 - 
الزيارة.. قصة  إبراهيم الديب
إبراهيم الديب


يجلس وحده يقاوم رغبة شديدة في النوم، تسيطر عليه أحيانا حالة من الخمول البدني، والكسل العقلي، والعزوف النفسي، عن القيام بأي نشاط أو عمل، حتي الكتابة، كل ما يحرص عليه؛ هو تناول القهوة، تأكد أنه بعيش تحت هذه الفكرة فقد فرض عليه هذا الشعور والإحساس تماماً؛ فلم يستطع كتابة جملة واحدة عندما حاول كتابة مقال ففشل وحدث ذلك عندما رغب في سرد قصة.
عندما كان يشرع في الكتابة في السابق يبدأ بالفكرة فقط ،ثم تنفتح بعدها عوالم شتي من المشاعر والأحاسيس . دنيا صاخبة، وفوضى عارمة من الأفكار تتسابق لتكون في المقدمة، لترسم شخصيات تتصارع فيما بينها، تبدو أحيانا لمن يقرأ، أنها من لحم ودم، أكثر منها افكارا ذهنية على الورق من صنع المؤلف، في كثير من القصص يحاول ترشيد وتوظيف هذه الفوضى الصاخبة من المشاعر ينجح  في هذه العملية حينا، ولا يوفق في ذلك أحيانا أخرى. فجأة سمع طرقا متتاليا على الباب بطريقة مزعجة غير ، فقام بفتحه فإذا شخصان غريبا الأطوار أصبحا داخل البيت دون استئذان ، ولم يلق أحدهما عليه سلاما ، خطواتهما التي قطعاهما للوصول لحجرة الصالون أقرب للهرولة من المشي  يبدو أنهما يعرفان البيت جيداً ،بل وعلى علم بمحتويات كل ركن فيه ،أخرج أحدهما علبة سجائر أشعل منها واحدة، وفعل ذلك الرجل الذي برفقته ،كان ينفث كل منهما دخان سيجارته بعصبية أقرب للهيستريا ثم طلب الأكثر توترا من  صاحب البيت أن يجلس، وكأن البيت لهم وهو الضيف . سيطرت عليه حالة من القلق والتوتر ، غير أنه خائف منهما ,فقال الأشد عصبية له بحدة : من الذي أذنك أن تكتب عني ؟ فرد عليه ناكرا ذلك, بتلعثم ونبرة صوت تفيد أنه ما فعل : لم أكتب عنك، فقال: أنت كاذب، وذكر لي القصة التي استلهم فيها شخصيته  التي بنى عليها القصة وبؤرة أحداثها  ، فقال الكاتب في نفسه: من الذي أخبره عن ذلك؟ فقام بسؤاله مباشرةً من أين لك كل هذه المعلومات عني؟ فقال أنا أعرف عنك الكثير جدا؛ أقرب إليك أكثر مما تتخيل، ثم أردف بعد فترة صمت  بعد أن شاهد علامات التعجب والاندهاش على وجه المؤلف، و خوفه منهما ورفيقه الذي التزم الصمت ولم ينطق بكلمة واحدة منذ جلوسه، والذي لم يكف عن الحملقة  في الكتب الملقاة على الأرض، وبدا من ملامح وجهه أنه غاضب ،أنها على هذه الهيئة  المزرية، فنهض وقام بترتيبها واعاد كل كتاب منها في مكانه من رفوف المكتبة ، صاحب البيت من تماهي الرجل معه تماماً، ليس هذا فقط، فنظراته تجاهه تخبر أنه أقرب للشفقة والحنو عليه ، فقال المناقش و المجادل منذ وصوله للمؤلف: أنت لم تكتب منذ فترة لسبب أنا أعرفه؟ فاستوضحه  صاحب على الفور وما هو السبب فقال: أنت تقرأ كثيراً في :هذه الأيام في الأدب العالمي المترجم ، وخاصة للحائزين منهم على جائزة نوبل منهم :هرمان هسه ،واندريه جيد، وتوماس مان ،و، ف س نايبول، ونادين جورديمر ،وجون فاولز,وميلان كونديرا ،ووليم جولدنج، وارسكبن كلدويل ، و منذ أن بدأت في هذه القراءة بشغفك المعهود ،أخذت تقارن بعدها بين  ما تكتبه وبين ما  تقرؤه، فلم ترض عن كتابتك، ولكنك تقنع نفسك دائما بمبرر واه ؛ بأنك اليوم أفضل من الأمس, وأكيد سيكون انتاجك الأدبي في الغد؛ أكثر عمقاً من اليوم, وأنه لابد لكل كاتب :من أسلوب خاص يميزه مثل تفرده بالبصمة ،حتى وإن كانت كتابته ليست جيدة ؛بصورة مقنعة لغيره فلا يعقل أن يتشابه الجميع، وانك تود لو مزقت كل ما نشرته ثم أعدت كتابته من جديد، فبعد قراءتك في أدب نوبل، آه  نسيت أن أذكر ,لك أنك تقرأ لنجيب محفوظ أيضاً فهو من الحائزين عليها بل تضع كتبه في نفس الرف مع كتبهم. فزادت دهشته وسأله هل لي أن أقف على سر تشريفكما لي هنا،؟ أنا حتي لم اعرفكما ولم يسبق معرفة احدكما من قبل،؟ ,فقال الرجل الذي تحدث في  كل المرات السابقة: ألم اخبرك انك تناولتني في أحدى قصصك وكذبت على في أحداثها، وجعلتني أقوم بأشياء لم تخطر لي على بال، ولم تتحدث بها نفسي ، فانطلق لسان المؤلف وأخذ يدافع عن نفسه قائلا: إنني عندنا أتناول شخصية أكتب المسكوت عنه القابع في أعماقها، وما تحاول هذه الشخصية الفرار حتي من التفكير فيه بينهما وبين نفسها، وبإخفائه عن الآخرين حتي يصبح مثار شفقة منهم أو تتهم بالضعف ، واعبر عن المؤجل من أحلام هذه الشخصية وما تضمره من ألم ، وأمل ، وأطلق من خلال السرد بعد أن أغوص بداخلها مشاعر مكبوتة واحلاما تتمنى تحقيقها في الغد في عملية لتعويض  أحلامه المجهضة، في عملية بحث فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من وجهة نظري وما هو كائن، فبدا على هذا الشخص بعد دفاعه الرجل عن نفسه أنه أقتنع بعض الشيء ولكنه قال: أفهم من ذلك أنك تعرفني أكثر من نفسي هههههه هههههه كنت عرفت ما أنا في حاجة إليه الآن، فهذه كذبة أخرى منك، لو أنك صادق لنهضت و اعددت لي كوبا من القهوة لأنها رغبتي الآن ،فذهب المؤلف للمطبخ لإعداد القهوة ، ولكنه طلب منه الا يصنعها سادة كما تتناولها أنت ...واستيقظ المؤلف من النوم، فقالت زوجته التي عادت من الخارج: يبدو أنك كنت تحلم منذ فترة طويلة, ولكن بصوت عال هذه المرة.

مساحة إعلانية