مساحة إعلانية
وَزَّع ابتسامته الثَّلجية عَلى الرُّكابِ بالتَّساوي ، لم يَقطع حَديثه الصَّارخ، ولا هَدأت حركة يده تَطيشُ يَمنة ويَسرة ، رَمقته فلبينية باشمئزازٍ، أدَارت رأسها سريعا ، رُبّما لهندامه غيَر المُرتَّب ، أو لسحنتِه التي بَدت جَنوبية قاسية ، وحديثه الخَشن؟! ، لم يجلس في مكَانهِ بل جَعلَ يتَنقَّل وسط الركاب ، يَصرخُ مُنفعلا :" خَلي أمك تروح تشوفها " ،بانتظامٍ يستدير يُطالعِ الرُّكاب ، اقشعرّ وجه هندية مليحة مَمشوقة القوام ، رَماها بَنظرةِ جَوعٍ أشرقت لها أساريره ،لم تَعبأ له ،انَطفأت مَلامحه وعَاَد يزيد ويعيد ،يَذكر مَزايا فتَياته ،ويَتوقَّف عند الأصلِ والفَصلِ ،تَلهَّى في تطوافِه يَخرجُ من بيَتٍ لآخر، ُيفاضِلُ بين السَّمارِ و البَياض ،يَغيبُ في ضَحكاتٍ مُجلجلٍة مُستفزة يُستفرغُ فيها ثقل ظِله ، يُمرّرُ يده يَنتح حَبَّات العَرق التي تَلألأ بها جبينه العَريض ،بدت الفلبينية أكثرَ انزعاجا ، انطوت على نفسها تتَحاشى جرأته ، تَراه يَمسح جسدها في تَشهي ،انزوت بعيدا بعينها في توتر ،اكملَ كَلامه في يأسٍ : " يا ابن المحظوظة دي وارثة فدان وبيت "، أسندتُ رأسي قليلا إلى النَّافذةِ هَربا من ازعاجهِ ورحت في النوم ِ، استيقظتُ على وقع ِعِراكٍ وتَلاسن ، تَوقَّف السَّائقُ جانبا ليشتبك وصَاحبنا في تَلاكُمٍ ، بعد جَهدٍ فَصل بينهما الرُّكاب ، لكنّ السائق ظلَّ يرميه بشررٍ ،استأنف تطوافه المُتبجّح ، يَقتحمُ البيوتَ على أهلها في انفلاٍت يَصفُ ما استتر .
على مَشارفِ المدينة تَوقَّفَ الباص فتهيَّأ للنُزولِ، جَرجرَ قدميه في تَخاذٍل، لكنَّه وقبل أن يُغادر ألقى في أُذنِ السَّائق بكَلمٍة قبيحة، هَبطَ خَائفا يتَرقَّبُ، كَانَ آخر عهدي بهِ عبارته الممَطوطة:" خلي أمك تروح تشووووف العروسة ".