مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ياسمين النجار
ــــ نور.. نور استيقظي يا ابنتي استيقظي...
تلك الكلمات انتشلتني من رعب وهمي كنت أعيشه في أحلامي، ها أنا على سريري وأمي تجلس على حافته وهى تنظر لي عن كثب:
ــــ أكان هو نفس حلم المرة الماضية؟
كنت ما أزال بين الصحوة والغفوة، بين عالم الأحلام والواقع، لذا فانعكاس صورتها في عينيَّ كانت مغبشة كأنها ذكرى قديمة عرضت في فيلم ما، ولكن لأقطع الهدوء قلت:
ـــــ أظن يا أمي أني اعتدتُ ذلك، لذا لا تقلقي.
هدأت ملامحها لوهلة، كنت وقتها أشبثت بعالم الصحوة أكثر، لتتضح لي الرؤية بشكل أكثر، وكنت أراقب هدوءها بصمت، ولا أفهم ما الذي يعتري قلبي في هذه اللحظة.
ــــ ألم تتعظي بعد، ألم تفهمي أن الأوان قد آن لتكوني بجواري؟
ثم تحولت ملامحها الهادئة لأخرى بشعة في لحظات، عينان جاحظتان من الغضب، وأسنان مدببة، وشعر قصير أسود مبعثر حول وجهها المتحول، لم أعِ إلا وأنا أبتعد عن السرير بسرعة، وأراها تقترب من جسدي المتكوم في زاوية الغرفة الباردة، وهى تمشي على قدميها ويديها ببطء، ونظرها مثبت على عيني، وجسدي يأبى الحراك، وبعد معاناة مع نفسي المجهدة، والدقائق تمر كأنها دهر، وأنفاسها الملتهبة تلفح وجهي عن قرب، وجدتُها تكرر:
ـــــ آن الآوان يا نور، آن الآوان يا نور...
صرختُ مستيقظة لأجدني على فراشي، وأنا ألهث وأود جرعاتٍ من الماء تروي ظمئي، لتسقط عيناي على صورتها معلقة على أحد حوائط الغرفة، والشريط الأسود قد ترك أثرًا على الصورة من قدمه، فالتحما كأنهما كيانٌ واحد، وما زال صدى صوتها في أذني لا يزول:
ـــــ آن الآوان، اليوم ليلة القمر الدموي، تلك آخر فرصة لكي لا نفترق.
عقدتُ عزمي، الثالثة فجرًا هي موعدنا. ودقت ساعة الحائط، وكانت أرضية الحمام المظلم تحتضن ظلي وأنا على أعتابه، قطعت الصمت وتقدمت نحو الحمام وأغلقت الباب خلفي، والتهمني الظلام، ولكني لن أتراجع الآن، أشعلت الشموع التي كانت بيداي؛ الواحدة تلو الأخرى، والتفتُّ للمرآة وأنا أتلو التعويذة التي حفظتها والأحرف تخرج من بين شفتيَّ مرتعشة، وما إن انتهيت حتى ساد الصمت مرة أخرى، مرت دقائق ولم يحدث شيء، فلما تسلل إليّ براعم الفشل هب نسيم بارد أطفأ الشموع التي كانت تحتضن المرآة وأنا أحملق فيها، وإذ بيد باردة تحتضنني: لقد وعدتي وأوفيتي والآن لن نفترق للأبد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
