مساحة إعلانية
حينما تأخذك الأيام في صمت القواعد من النساء فلا تدري في أي الأيام أنت وكأنك من أصحاب الكهف ، مد يده ببضع لقيمات عجاف ليُقمن صُلبه، ووضع ما هنأ منها في فمِ أطفاله الصغار ، كانت الأيام تمر عليه كما يمُر القطار علي قُضبانه بلا هوادة أو شفقةٍ ، حُلم راوده أن يجعل من صغاره أحاديث للناس في تفوقهم وعلمهم ، ووظيفة لا تثمن أو تغني من جوع كعصا خيزران إن أردت أن تتكئ عليها ، صارع الحياة بما أوتي من قوة ، يختنق المرء بأصابع يده ليشهق بملء فيه ، ثلاثة أولاد رابعتهم أنثي ، هم جملة ثروة أولاد عند من ظن أنهم زينة الحياة الدنيا ، خبر يدوي أرجاء القرية ليرُجها رجا، لقد نجح ابن الأستاذ “فضل “ في الثانوية العامة بمجموعها الأقصي - كلية الطب - ستفتح أبوابها في وجه أول حصاد للأستاذ “فضل “ لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، لم تكن رغبة الولد وزهرة شباب أبيه أن يدخل- كلية الطب - فالحلم كان أوسع مَداراً بالنسبة له - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - نعم تلك كانت رغبته، وأمام تلك الرغبة الجامحة لم يستطع الأب أن يغير مسار رغبة ولده ، توالت النجاحات في بيت الأستاذ “ فضل” الذي كان يعمل بإحدي مدارس قريته، باع من جهده ونفسه ما يوفر به لقمة عيش سائغة في فم أولاده ، ساعة تجر أخري وعبء الدراسة يزداد ثقلاً ، تخرج الابن الأول في - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - بتقدير ممتاز مع مرتبه الشرف ، وكانت الرغبة أن يعمل بوزارة الخارجية ، وقد هيأ الله ذلك له - الابن الثاني - قد بزغ نجمه ليصنع له ابن أبيه مستقبلاً مشرقا ، كلية الطيران ، لقد مكن الله بقدرته أبناء الأستاذ “فضل “ ليسعوا في الأرض، تزف البُشري القرية ، ابن الأستاذ “ فضل “ أصبح مُلحقاً دبلوماسيا ، وها هو ثالثهم ضابطاً في كلية الشرطة ، أما الأنثي لبست زيها الأبيض لتصبح طبيبة ، بدأ السفير يجمع أموال قارون من حيث يدري ، ضم إخوته تحت طية جناحه ، ليسكن هو وإياهم قصوراً من بعد قيظ الحياة وشظفها ، نسي الثلاثة بما هي رابعهم فضل الأب الذي كان يُطعمهم من نقيصة معدته ، كلما تذكروا الأيام و قسوة والدهم عليهم ازدادوا غلظة وجفاء ، دارت الأيام يوما بعد يوم ويزداد فيها أبناء “ فضل “ عزاً ويزداد “ فضل “ شيبة وضعفاً ، وما من سائل يسأل عليه من أبناءه ، عاش الرجل بين أبناء قريته مكسور النفس ترتجف أنفاسه من خوف ضيق الحال ، اجتمع نفر من أهل القرية ليتشاوروا في أمر الاستاذ “ فضل “ ، استقر الرأي إلي أن يذهبوا إلي أولاده ، وقد تم ، وللحديث بقية.
hyasser10@yahoo.com