مساحة إعلانية
لقد حالفني الحظ بحضور آخر ليلة عرض لمسرحية (عيلة اتعمل لها بلوك) للرائع الفنان محمد صبحي، وحقاً كان ختامها مسك.
من وجهة نظري المتواضعة ستحظى هذه المسرحية بشعبية كبيرة حين يتم عرضها على التلفاز، كما حصدت إعجاب الجمهورعلى مدار عاماً كاملاً، وهذا ما تُرجم من خلال الحضور الطاغي وتصدر شعار كامل العدد " أرش كومبليت " طيلة فترة العرض منذ ديسمبر 2022 بلا توقف.بدأ العرض وانسحب الستار ليكشف عن قضية شائكة، وحقب زمنية مختلفة لقيم مصرية ظلت تتراجع بشكل مزعج وتتضائل بشكل يدمي القلوب. وأثناء مشاهدتي كنت أسرح قليلاً ويدور في عقلي سؤالاً يكاد يحتل جنبات عقلي ويسيطر على تفكري. كيف تأثرت قيمنا وتضعضعت من عقد لآخر ومن حقبة زمنية لأخرى حتى أصبحنا على ما نحن فيه!؟ ويأتي الرد سريعا من على خشبة المسرح ومن خلال هذا العرض وبقيادة هذا الفنان النبيل الذي قام بإحياء جزءا من هذه القيم في عقولنا. وتتابعت أحداث المسرحية وتشابكت خيوطها وروابطها، فانطلقت ضحكاتنا التي تختلف عن أي ضحكات، كما انفجر بكائنا الذي حتما يختلف عن أي بكاء، وهنا تكمن عبقرية الفنان محمد صبحي كرامٍ محترف التصويب، أصابنا جميعاً كمشاهدين ببراعة متناهية حتى تمنينا لو أن هذا العرض لا ينتهي.
في مسرحية ( عيلة اتعمل لها بلوك ) جسد الفنان محمد صبحي الشخصيات الخمس العاكسة لخمسة أجيال متتابعة، كاشفا من وراء ذلك كيف تساقطت أوراق الأخلاق في المجتمع المصري شيئا فشيء بشكل متباين من وقت لأخر، ومن حقبة زمنية لحقبة زمنية جديدة، شاركته في ذلك الفنانة المتميزة وفاء صادق وعدد من أعضاء فرقة استديو الممثل. المسرحية من تأليف مصطفى شهيب والذي أبدع حقاً في كتابة عرض مسرحي متناسق، وبمعايير تُعلي من مفهوم القيم والمبادئ التي افتقدناها بشكل متتابع. وتحمل رسالة واضحة وجلية مفادها " أفيقوا فالأخلاق تنحدر والعقول تتلوث بأفكار يزرعها الغرب ويحصد نتائجها الشرق، حتى أن عقولنا أصبحت كالآلات التي تسيطرعليها آلات مماثلة "! وجاء الجزء الخاص بالرهان الذي كسبته حينما قُلت لأصدقائي بأن الفنان محمد صبحي سيقدم لنا مفاجأة بلا شك بخصوص دعمه للقضية الفلسطينية في العرض الأخير من المسرحية، وقد كان، حيث فاجأ جمهوره بمشاهد تلقي الضوء على جرائم الكيان المحتل وعنفه في التعامل مع أصحاب الأرض والحق، وقام برفع العلم الفلسطيني دعماً وحباً واعتزازاً بأن كرامة العرب فوق كل شيء. لم يدهشني حقاً ما شاهدته فأنا أمام فنان ومناضل من الطراز الأول، حمل على عاتقه هم القضية الفلسطينية والعروبة منذ زمن طويل قولاً وفعلاً، فقد ناقش بكل شجاعة قضية بروتوكولات حكماء صهيون في ملحمة فارس بلا جواد واعترض دون هوادة على عنف الإحتلال في مسرحية ماما أمريكا وسكة السلامة وغيرها من الأعمال النضالية التي حفرت لها طريقاً في وجداننا.
وأود القول بأن القضية الفلسطينية هي قضية الشعوب العربية جمعاء ولا تنحصر في حدود الشعب الفلسطيني وحسب.
وأخيراً تحضرني مقولة للفيلسوف والمسرحي الفرنسي فولتير، حينما قال:
" في المسرح وحده تجتمع الأمة ويتكون فكر الشباب وذوقه، وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا، لا مكان فيه لحكمة ضارة ولا تعبير عن أي أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوبا بالتصفيق، انه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة".