مساحة إعلانية
نورا شحاتة
لم يتبق على رحيل قطارى سوى عشر دقائق، أسابق الزمن لألتقي به. تأخرت على نجلي في المدرسة، فهذا موعد خروجه. أتعبتني الدنيا وأنا أكابد منذ زواجي، وزادت الأعباء عندما أنجبت أول طفل، فقد تغير شكلي كثيرًا، وتبدلت اهتماماتي فصار كل همي القيام بمهام المنزل، وطلباته ومن ثم استلام مروان من مدرسته، والإسراع به لإعداد الطعام...خسرت شبابي، وفقدت عمري.فور وصولي تحرك القطار، تنفست بارتياح وأنا أحسب دقائق وصوله للمدرسة، وأرتب أمور منزلي في نفس اللحظة، توقف عقلي قليلًا ولفت انتباهي شيء غريب. امرأة ومعها طفل بدا في العاشرة من عمره، يحمل نفس ملامحها، نظرت إليه طويلًا، وتكاثرت أفكاري من أفعالها. كانت تدندن مع طفلها تارة، وتضحك تارة أخرى وكأنها جالسه بمفردها، قلت في نفسي: لعلها مجنونة. ثار فضولي وأخذني لعندها وكان صوتها مرتفعًا، اقتربتُ منها فرأيت ما زادني اندهاشًا. إنها ترتدي ساعة غير مألوفة الشكل، ليس بها سوى عقربين، نص ساعة، تأملتها لعلي أدرك هذا اللغز المريب.
ترددت قبل الحديث معها، فما يدريني قد تتطاول علي، ولكنني لم أتحمل الالتزام بالصمت، واندفعت دون مقدمات "أين نص الساعة الأخرى؟!" نظرت لي واجمة وردت ببرود: "هذا عمري" لم أفهمها وطال الحديث بيننا، لاحظت أن لهجة حديثها تغيرت تمامًا، فأصبحت امرأة عاقلة راشدة، سألت: "كم عمرك؟"، ابتسمت وقالت: "عشرة أعوام". ظننت أنها ربما لم تسمع سؤالي جيدًا فأوضحت " إنني أسأل عن عمرك أنتِ وليس عمر طفلك؟!، " أكدت "عشرة أعوام"، سألت في حيرة "كيف هذا؟!".
أجابتني بهدوء: في يوم ميلادي العاشر، أعطى لي والدي هذه الساعة وقال لي "منذ هذه اللحظة عمرك عشرة أعوام مهما طال العمر بك، فكلما انتهت النص ساعة، أعيديها لمكانها الطبيعي، وبهذه الطريقة لن يتقدم عمرك وسوف يتوقف عند السنوات العشر". أخذت حديثها على محمل الجدية ومنذ هذه اللحظة صرت أحمل روح فتاة في العاشرة، وعقل امرأة ناضجة.