مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الزمن الحزين)

2024-08-09 19:14:45 - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الزمن الحزين)
ناصر كمال -كاتب
منبر

كثيرا ما ندعو الماضي الذي كنا نعيشه بالزمن الجميل، وذلك لكونه كان يمثل كل ما هو جميل في حياتنا وفي كل المجالات. فمثلا، في الغناء كنا نسمع أجمل الألحان وأرقي الكلمات وأعذب الأصوات. في الدراما، كنا نشاهد أعمالا ممتعة تمثل الواقع وبدون إسفاف وابتذال في معظم الأحوال. في الأدب والثقافة، كانت هناك قامات كبيرة وتجارب متنوعة، لذلك وجدنا أحدها يفوز بجائزة نوبل للآداب وهو الأديب الراحل والروائي الكبير نجيب محفوظ. كانت هناك مدارس صحفية محترمة قبل أن تظهر وسائل التواصل الاجتماعي وصحافة الترند. كان المجتمع يحتفظ بأخلاقياته الثابتة الراسخة التي تحض علي التراحم والستر وحسن الجوار بين الناس. كان الهدوء هو سمة هذا العصر الجميل والطموح والأمل في غد أفضل هو صفة كل إنسان مجتهد لأن الصورة كانت واضحة والمعايير جلية محددة.
أما زماننا هذا فيمكنني أن أسميه الزمن الحزين، فهو الزمن الذي تنتشر فيه الأوبئة وتندلع فيه الحروب، وأصبحت الصورة بالنسبة لكل فرد منا ضبابية والمعايير للنجاح غير محددة وتخضع للظروف التي تتغير بين عشية وضحاها. هو زمن حزين بالنسبة لنا نحن الذين تربينا علي مبادئ نراها تهدر كل يوم وبين أصدقاء يخطفهم المرض والموت منا في كل صباح، ووسط ظروف عالمية تدعو وتفرض علي الشعوب أخلاقيات شاذة باسم الحرية، وحروب اندلعت بين دول وحروب تلوح في الأفق. هو زمن حزين بالنسبة للأجيال الشابة التي نشأت وبين يديها هاتف وإنترنت فما عاد يقرأ كتابا أو يناقش فكرا بل هو مشغول بترند يصنع له في كل يوم وفي الغالب عن حياة شخصية لأحدهم أو فضيحة أخلاقية لآخر. جيلا خائف تماما من الأوبئة تارة ومن اندلاع حرب تارة أخري وأزمات حياتية تطل برأسها مع طلوع الشمس في كل يوم جديد.
عندما كنت طفلا كنت أحلم باليوم الذي أحقق فيه حلمي بأن أكون كاتبا ويقرأ الناس لي وها هو الحلم قد تحقق وأصبحت كاتبا صحفيا ولكن الناس ما عادت تقرأ، لذلك هو زمن حزين. كنت أجد راحتي بين جموع الأهل والأصدقاء أري ابتساماتهم ووجوههم المعبرة وأسمع كلماتهم المحبة الطيبة، ولكن هذا الزمن جاء بالعزل والاختباء مع جهاز الجوال والعالم الافتراضي، وظروف الحياة القاسية التي منعت عنا اللقاء، لذلك هو بالنسبة لي زمن حزين.

مساحة إعلانية