مساحة إعلانية
شاهد الكثيرون في مصر والوطن العربي الأفلام السينمائية التي قدّمت لنا الفنون القتالية، وأحبّوا نجومها الصينيين مثل بروس لي وجاكي شان... وبالطبع كنت أحد هؤلاء اليافعين المغرمين بتلك الأفلام الجميلة التي يقوم فيها البطل الصيني بالدفاع عن الخير في مقابل الشر. ولهذا كانت جلّ معرفتي بالصين في البداية تتركّز في كونها منشأ رياضة الدفاع عن النفس واستخدام قوى الشخص الداخلية في القتال. ولأنني كنت من هواة تلك الرياضة، مثلي مثل الكثيرين من أبناء جيلي في فترة الثمانينيات والتسعينيات، رحت أشتري معظم الكتب التي تتناول التدريب على فنون الكاراتيه والكونغ فو.
ولكن بمرور الوقت تعاظم في داخلي فضول للتعرّف على تلك الحضارة التي قدّمت لنا هؤلاء الخارقين في نظري وقتها؛ لذلك قرأت كثيرًا عن الرياضات الروحية التي تستدعي قوى الإنسان المستترة، وأدركت أنها قوى غير محدودة قام الصينيون بإلقاء الضوء عليها وتقديمها للحضارة الإنسانية؛ فزاد إعجابي الشخصي بالصين وثقافتها الشرقية التي تعلي من شأن الروح والجسد معًا. وبالقطع هذا يتوافق مع طبيعتنا المصرية، بل وجدتُ من خلال بحثي في مفرداتها أنها قريبة من الحضارة المصرية التي تؤمن بعالم الروح، وقدّمت للبشرية أيضًا منجزات تُعتبر معجزات مقارنة بالعصر الذي نشأت فيه، مثلها مثل الحضارة الفرعونية العظيمة التي قدّمت للعالم حضارة ما تزال راسخة حتى الآن في وجه الزمن.
هذا ما اختبرته في فترة المراهقة عن الصين وحضارتها، ولكن ما عشته وعرفته بعد ذلك أخذني إلى عمق تلك الحضارة العظيمة، من خلال صداقة نشأت بيني وبين العديد من الطلاب الصينيين في فترة دراستي للماجستير في المملكة المتحدة.
لقد قال الشاعر الإنجليزي روديارد كبلنج: "الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا" وذلك في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن تلك المقولة ما تزال صالحة حتى اليوم. فقد سافرتُ إلى المملكة المتحدة لدراسة الماجستير، وكل ما أعرفه عن الصين هو ما قرأته في الكتب والصحف. فقد كنت أعرف جيدًا أن مصر هي الدولة الأولى عربيًا التي اعترفت بدولة الصين الشعبية في 16 مايو من عام 1956، وأنها أدّت دورًا هامًا في علاقة مصر بالاتحاد السوفيتي وقتها وحصول مصر على صفقة السلاح الأولى لها من الاتحاد، بعد لقاء الزعيمين جمال عبد الناصر وتشوان لاي في رانغون عاصمة بورما. وتوطّدت بعد ذلك تلك العلاقات لتصبح الصين من أهم الحلفاء لمصر، كما مثّلت مصر سوقًا رائجًا للمنتجات الصينية. ودائمًا كنت أسأل نفسي: ما هو شكل العالم من غير دولة مثل الصين؟ لقد وفّرت لنا الصين كل المستلزمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية بسعر مناسب لكل الطبقات الاجتماعية تقريبًا، بدايةً من السيارات حتى أبسط الأدوات التي لا يستغني عنها أي بيت مصري.