مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى، وتضج فيه الشوارع بالأبواق، وتتنافس فيه الأصوات على لفت الانتباه، يختار البعض طريقًا آخر. طريقًا لا يعجُّ بالصخب، بل يُعبّد بالسكينة. أناسٌ مثلي، لا يجدون أنفسهم في الزحام، ولا تهدأ أرواحهم في وسط الضجيج، بل يهربون إلى حيث الهدوء، إلى حيث الأنفاس تُسمع، والنبض يُشعر، والفكرة تولد دون إزعاج.
أحب الهدوء، لا لأنني انعزالي، بل لأنني أبحث عن صوتي في داخلي. لأنني أؤمن أن الإنسان لا يسمع ذاته الحقيقية إلا حين يصمت العالم من حوله. في الزحام، تذوب الأصوات، وتضيع التفاصيل، وتُستنزف المشاعر، أما في الهدوء، فكل شيء يبدو نقيًا، حتى الحزن يصبح واضحًا، وحتى الفرح لا يحتاج صخبًا ليعلن حضوره.
في الزحام، كل شيء مستعجل: الخطوات، القرارات، وحتى العلاقات. أما الهدوء، فهو مساحة للتأمل، للتمهُّل، وللصدق مع النفس. هو لحظة نجاة من طوفان اللاجدوى، وهو المنفذ الذي أتنفّس منه كلما شعرت بأن العالم يضيق.
قد يظن البعض أن الهروب من الزحام ضعفٌ، أو نوعٌ من الترف، لكنه في الحقيقة مقاومة هادئة، واختيار شجاع بأن تبقى على سجيتك في عالم يحاول أن يفرض عليك إيقاعه. أنا لا أكره الناس، ولكني لا أحب الزحام.
لا أرفض التواصل، ولكنني أقدّس الخصوصية. أبحث عن لحظة هدوء تُرمم بها روحي، وتمنحني صفاءً أعود به إلى الحياة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
