مساحة إعلانية
يسرد لنا الكاتب بعض القضايا التي حقق فيها بأسلوب قصصي لا يخلو من العظة والموعظة وفلسفته في الحياة . فإن كان وظيفته خبرته بتشريح الجثث لإكتشاف الجريمة، فثقافته وتجاربه بالحياة خبرته بالبشر والناس فشرح المجتمع اجتماعيا بوعي وحكمة ودراية، فهو عندما يتحدث عن الصعيد الذي عاش فيها ردحا من الزمن بحكم عمله فيتحدث عن أسباب انتشار الثأر في الجنوب ويعدد أسابها ومن هذه الأسباب حرارة الجو التي تؤثر علي سلوك الإنسان، وكذا النظام القبلي الذي أفرزته طبيعة الصعيد، وإهمال الحكام علي مر الزمان للصعيد .. الخ
وفي نهاية الكتاب يحدثنا عن الموت فتقشعر الأبدان وهو يصف الجسد بالـ « رمة « وصف موجع ومقزز ومحزن ولكنه الحقيقة، يقول الكاتب « معذرة لكلمة رمية فهو الوصف العلمي الدقيق وهو اللفظ الذي يلازمنا بعد الوفاة، وتخيل معي كلمة رمة ودع خيالك يسبح في آفاقها وفي مصير الإنسان المحتوم « .ويذكر أن ترسب الدم أحد أول مظاهر الرمية، فهو يترسب في المواضع المنخفضة في الجسد، ومن بين مظاهر الرمية الت تصاحب الوفاة حدوث رخاوة تامة بالعضلات، وبعد ساعة يتيبس كلوح خشبي، ثم تبدأ مرحلة رخاوة أخري تبدأ من أعلي إلي أسفل، وبعد مضي يوم يتحول الجسد كله كعجينة رخوة، وفي اليوم الثاني تبدأ مرحلة التعفن في الظهور، ينتفخ البطن ويخضر لونه، والوجه يسود، ويبدأ الدود في الظهور ليأكل الجسد، الجلد يتفلس والأنسجة تتأكل، والرائحة كريهة تخفيها الأرض بين ثراها، والمنظر بشع تخفيه الأرض تحت ترابها . هذا هو الإنسان بجبروته وقوته وصراعه و قل ما شئت فأنت شاهد عيان وإنسان يختمر بداخلك كل ما بداخل البشر. فهل تستحق الدنيا منا كل هذا الصراع، والمصير واحد، للقاتل والمقتول، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم .. الخ .
كتاب يستحق القراءة ويعد إضافة للمكتبة العربية بما يحويه من ثقافة غائبة عن الكثير منا، وفهم مغلوط عن الطبيب الشرعي الذي يقوم بعمل شاق ومضني ومتعب في أشد الظروف وأحلكها فكما يتعامل مع المصابين يتعامل مع الجثث والرمم، ويقوم بعمله دون تأفف أو توقف، فهذا دوره . والكتاب أو المذكرات تحمل رسالة قوية للإنسان، وتعريه بكل ضعفه وهشاشته أمام تلك المظاهر الخداعة التي يتواري خلفها .