مساحة إعلانية
في مطلع ثمانينيات القرن الفائت بدأت نشر قصصي القصيرة في الصحف والمجلات الأدبية ، وكنت وقتها مقيما في القاهرة ، وأذكر ذات مرة أخذت آخر قصصي في حضني وقررت الذهاب لمقر مجلة " إبداع " نزلت العتبة وسرت على الأقدام حتى وصلت إلى مقر الجريدة ودخلت غرفة رئيس التحرير ووجدت الأستاذ عبد الله خيرت مدير التحرير جالسا على كرسي في آخر الغرفة في مقابلة مكتب الدكتور عبد القادر القط رئيس التحرير الذي رحب بي وأجلسني بجواره وعندما علم إني كاتب قصة وحضرت لأعرض قصتي على المجلة أومأ برأسه وأنا في نفس الوقت أتابع نظرة الدكتور القط من خلف نظارته والذي رمقني بها خلسة وهو منهمك في قراءة ما أمامه من أوراق ، يضع خطا أحيانا على بعض الكلمات ،وأتابع حركات قدميه الذي حررهما من الحذاء وهو يحركهما حركة متتابعة آلية .فتحت الدوسيه وأخرجت القصة انتظارا لعرضها على الدكتور القط عندما يأذن لي ونظرت لسطور القصة وسرعان ما اكتشفت خطأ إملائي مع إنني راجعت القصة مرات عديدة ، فشعرت بخجل شديد ، ماذا أفعل؟ ، ماذا سيقول لي الدكتور القط ؟ ، وخصوصا إنه يحاسب الكاتب حساب الملكين كما ذكر لي صديق صاحب تجربة نشر في المجلة ، ملت برأسي قليلا على الأستاذ عبد الله خيرت وهمست : لقد نسيت القصة وهذه القصة قد نشرتها من قبل، هل لي أن أستأذن الآن وأعود في وقت آخر بالقصة الجديدة ، قال كلمة واحدة ولن يزيد عنها: لا بأس ، قمت وخرجت ولاحظت أن الدكتور القط يتابع بعينه لحظة انسحابي ،ولم أكرر التجربة مرة أخرى . كثيرا ما يحضرني هذا المشهد عندما أكون في ندوة ما أو جلسة نادي الأدب ،ويقوم أديب ناشئ بعرض عمله وعندما نحاول أن نناقشه في ما طرحه ونبين له بعض الأخطاء في الصياغة أو الإملاء، أو أن ما يكتبه لا يمت للشعر بصلة ، أو ما يقدمه مجرد خاطرة تحتاج لمزيد من القراءة والتجويد .... الخ ، نجد على وجه من وجهنا له النصيحة الامتعاض وعدم تقبل النصيحة، كيف ؟ وهو من هو يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي ويحصد آلاف اللايكات والتعليقات التي تشيد بعمله ، وهو عضو في أكثر من كيان ،و أعطته أكثر من مؤسسة رسائل دكتوراه فخرية ، فألوذ بالصمت ولا أعلق