مساحة إعلانية
تناولنا في المقال السابق حرب اللايك في الفضاء الفيسبوكي وما يحدثه من تضخم ومغالطات في الواقع الافتراضي ينعكس كثيرا علي سلوكياتنا وثقافتنا ووعينا، ونتوقف هنا عند ثقافة البلوك التي اكتسبناها من الفضاء الإلكتروني وأحد وسائل التعامل مع المشهد المعيش في الفضاء الأزرق.وبعد أن كان البلوك نوع من أنواع الطوب نبني به الجدران ونحدد به الأرصفة في الطرقات، أخد مفهوما جديدا في عالمنا الافتراضي وأصبح علامة إلغاء وطمس وحذف لأي شخص نريد استبعاده من طريقنا .ثقافة البلوك أظهرت العوار الثقافي المغروس في أعماقنا، ثقافة الرأي الأوحد الذي لا يقبل النقاش، ولا يؤمن بالرأي والرأي الآخر، فمن يختلف معنا عدو يستحق البتر واستبعاده من حياتنا، فقط لا يحتاج الأمر كثير من الجهد في الفضاء الواسع، فقط نستعمل أداة البلوك لنستريح ونريح ولا يبقي في المشهد إلا النسخ المتكررة منا التي تقول آمين وتصدق علي كل حرف نقوله، فالاختلاف لم يعد ظاهرة صحية، وبات يفسد للود كل قضية، أنت مختلف معي فأنت عدو تتبرص بي، أنت تريد أن تناقشني وتدلي برأيك المخالف لرأيي فتستحق الطرد من جنتي بتلك الأداة الرائعة “ البلوك “. ورحم الله زمان وأيام زمان، أيام الأساتذة العظماء الذين اختلفوا وطرح نقاشهم وحواراتهم وخانقاتهم الأدبية والثقافية والفكرية علي صفحات الصحف والمجلات وتركوا لنا وللتاريخ فكرا مستنيرا سجل في بطون الكتب والمجلات والصحف يؤكد مدي وعيهم وثقافتهم .
ثقافة البلوك تحتاج لمراجعة،ومن قبلها إعادة صياغة الوعي، لنتعامل معها بروية فهناك فرق كبير بين الاختلاف في الرأي الذي يثري الحياة بكل جوانبها،وبين من يريد أن يدس أنفه في حياتنا أو يتطاول علينا بشكل أو بآخر .
فإن كان في قدرتنا تقبل الرأي الآخر ازدهرت الحياة وانتعشت، وأصبح ثقافة البلوك مقننة ومحدودة.