مساحة إعلانية
وأنا أطالع “فيس بوك” في لحظة عابرة من يوم عادي لم أكن أعلم أنني علي موعد مع مشهد ليس ككل المشاهد
توقفت أمام مقطع فيديو التقطته عدسة هاتف لكنه اخترق القلب كرصاصة... آلاف الفلسطينيين يتزاحمون في طوابير طويلة ومؤلمة علي شاحنات مساعدات شحيحة مشهد يُشبه المجاعات الإفريقية التي كنا نظنها جزءاً من الماضي لكنه اليوم يُعرض علينا من غزة قلب القضية وجدار الكرامة
نحن في عام 2025 عام التكنولوجيا والتقدم المزعوم ومع ذلك يقف أبناء غزة حفاة يتضورون جوعاً في انتظار شاحنة تحمل لهم ما يسد الرمق وما يقيهم عار أن يُهزموا من بطونهم بعدما استعصت أرواحهم علي الهزيمة في ساحات الحرب
لقد تراكمت الأجساد حول الشاحنة حتي ابتلعتها فلم يعد يُري من هيكلها شيء وكأنها نقطة في بحر من الجوعي كلّ منهم يحمل وجع وطن في نظرة وكسرة خبز في الأمل
حصار ممنهج يُطوّق البطون ليخنق الروح ويُجَوِّع الجسد لينحر الكرامة... مشهد يُعرّي العالم ويُجسد الانحطاط الأخلاقي
لكن من يظن أن أطفال غزة سيكبرون وهم ينسون فهو واهم
من يظن أن جوعهم سيكسرهم فهو لا يعرف التاريخ
في “صبرا وشاتيلا” ذُبح المدنيون بلا رحمة لكن من بين أنقاض المجزرة خرجت ذاكرة لا تموت
واليوم غزة تُصنع فيها ذاكرة أخرى، أخطر، أعمق، وأشد اشتعالاً… ذاكرة تصوغ جيلاً كاملاً شرب الكراهية وتربّي علي الحقد وتعلم أن الخبز حين يُمنع يصبح رصاصة
ما يحدث في غزة اليوم فضيحة مكتملة الأركان ووصمة عار تُلطّخ جبين العالم بأسره الذي يكتفي بالمشاهدة بينما الجوع يفتك والحصار يشتد والموت يُمارَس ببطء تحت مرأي ومسمع الجميع
أكتب هذه السطور والغصّة تعتصر القلب لكنّ اليقين لا يتزحزح والثقة في وعد الله لا تهتز
فالحق لا يموت وإن طال الطريق والنصر آتٍ لا محالة لأن الله لا يُخلف وعده
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾