مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

محمد دياب يكتب: صعود الحمقي وسقوط العقول !

2025-04-13 00:45:53 - 
محمد دياب يكتب: صعود الحمقي وسقوط العقول !
محمد دياب
منبر

في زمنٍ لم يكن بعيداً، كانت النجومية حكراً علي الموهوبين، وكان التأثير مقياسه الفكر والمعرفة. أما اليوم، فقد انقلبت الموازين رأساً علي عقب، وأصبح الغباء تجارةً رائجة، والتفاهة بضاعةً تُباع بالملايين! نحن في عصرٍ باتت فيه الرقصة السخيفة والعبث الفارغ أقصر طريق للشهرة، بينما يُطرد أصحاب العقول من المشهد كما يُطرد الغريب من قبيلته!
لم نعد نري العلماء والمفكرين في الصدارة، ولم تعد تُسمع أصوات المثقفين إلا في زوايا النسيان. بدلاً من ذلك، يُفرَش السجاد الأحمر لمن يرقصون ويثرثرون ويُتاجرون بالغباء. كيف أصبح هؤلاء قدوةً؟ كيف صار الأجوف ملهماً؟ وكيف باتت الجماهير تصفق للهبوط وتشيح بوجهها عن الصعود؟
كل من يحاول تقديم المعرفة أو نشر الوعي يُحارب بالتجاهل، بينما يحصل صاحب “المحتوي التافه” علي ملايين المتابعين والإعلانات والرعايات. لم نعد نُعاقب الجهل، بل نُكافئه! لم نعد نستهجن الإسفاف، بل نُصفِّق له بحرارة! إنها مهزلةٌ أخلاقية، وخيانةٌ صريحةٌ للعقل
حين نجد تافهاً يجني الملايين ومُجتهداً لا يجد قوت يومه، فهذه ليست مجرد مصادفة، بل انهيار كارثي في منظومة القيم. اليوم، لا أحد يُريد أن يكون عالماً أو طبيباً أو مهندساً، لأن الطريق إلي الثراء والشهرة لم يعد يمر عبر الاجتهاد، بل عبر الحركات البهلوانية والتقليد الأعمي لكل ما هو سخيف
ولكن هل المشكلة في هؤلاء “المؤثرين”؟ بالطبع لا! المشكلة في الجمهور الذي رفعهم إلي السماء وهوي بنفسه إلي القاع! المشكلة في مجتمعٍ صار يُعلي شأن التفاهة ويُهين كل ما هو جاد
لنكن صرحاء: وسائل التواصل لم تُنشئ التفاهة، لكنها فضحت الحقيقة المُرَّة! نحن من صنعنا هذا العالم البائس، نحن من أعطينا الأغبياء سلطة التأثير، نحن من طردنا الفكر والعقل والمعرفة، وركضنا وراء كل “ترند” فارغ
المسؤولية ليست علي هؤلاء الذين يبيعون السخافة، بل علينا نحن الذين اشتريناها! لقد آن الأوان لإعادة ترتيب الأولويات، لاستعادة الاحترام للعقل، للعلم، وللمعرفة. يجب أن نضع حداً لهذا الانحدار، وإلا فلن نجد أمامنا سوي مستقبلٍ يُسيطر عليه الحمقى، ويُديره السفهاء، ويُصفَّق فيه للمهرجين بينما يُسحق أصحاب العقول
اذا استمر هذا العبث، فلن يكون لدينا علماء ولا مفكرون، بل مجرد قطيعٍ يلهث خلف آخر صيحات الغباء.

مساحة إعلانية