مساحة إعلانية
حمدي عزت النعمان
أَجلِسُ في مكاني المعتاد بحديقة الحي .. أمارس سلوكي الروتيني في مراقبة الناس ومواقفهم .. أحلل واستنتج ..وأحمل مشاعر متضاربة؛ مرّات أُسَرُّ بما أراه وفي آخر الأمر أتأثر كثيرًا . لفت نظري رجلٌ يأتي من بعيد وفي يده طفل على الأرجح هو ابنه، يشير الطفل لشجرة ويقبض على يد الرجل ويسحبه تجاهها وهو يحاول الإسراع وكأنه وجد ضالته. تجاوب الرجل لرغبة الصبي بالإسراع حتى وجدا شجرة ووقفا كلاهما عندها وتفطنت أنها كانت وجهتم ، ألقي الصبي بعض الكلمات على الرجل لم تصل لمسمعي، فرد عليه بكلماتٍ أخرى وهو يشير بيده للسماء، ثم جلس مستندًا للشجرة، بينما ظل الولد ينظر للأعلى وفي تخميني أنه يناجي ربه .. ظل على هذا الحال فترة - مللت من إحصائها- وأنا أراقب في دهشة ، "أي مطالب وأماني يحملها طفل بهذا العمر حتى يظل كل هذا الوقت يدعو بها، وما هذا الانغماس في الدعوة حتى يوصله حد البكاء".. تبدلت دهشتي تجاهه لشعور بالفضول ممزوج بالغيرة العفيفة من خشوعه وبكاءه .. ظل الشعور غالبًا عليّ حتى انتهى ورجع خطوات تجاه الرجل وبدأ بينهما حوار ما .. عزمت حينها على القيام والاقتراب قدر الإمكان منهما كي أسمع حوارهما، أقتربُ منهم أكثر فأكثر دون أن يلاحظوني … وها قد بدأت اسمع بعض الحديث
ـــ أبي .. لما لا يصلني رد؟ لماذا لا يجيبني أحد؟
ــــ هون عليك يا بني، ربما كلامك لازال في الطريق للسماء وقريبًا يصل.
ـــ لكنني يا أبي أنتظر كل مرة ولا يصلني شيء .. هل أمي لا تريد الكلام معي؟ ألا تشتاق لي كما أشتاق أنا إليها.
بمجرد سماعي لكلمات الفتى ونبرة الحزن بها وأنا سكنت بمكاني كمن صُعق لم أخطو بخطوة أخرى، وازداد حزني أكثر لرد الأب لطفله وهو يكتم دموعه
ـــ لا يا عزيزي .. أمك تحبك ولا زالت تحبك وتخبرني هي بذلك كلما زارتني في منامي، دعنا نذهب الآن فالوقت تأخر، وأعدك أنها في المرة القادمة ستجيبك.