مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

صوت العقل ..العالم بين صناعة الحرب وصناعة السلام في بداية العام الجديد

2024-01-06 01:05:00 - 
صوت العقل ..العالم بين صناعة الحرب وصناعة السلام في بداية العام الجديد
ناصر كمال
منبر

ناصر كمال
محاولة صناعة السلام في العالم لم تتوقف منذ إنشاء عصبة الأمم عام 1918 م والتي فشلت في تحقيق هذا السلام لأسباب تتعلق بالبنود المؤسسة لها وقلة عدد الدول المشاركة فيها وإنسحاب معظمها بعد ذلك ، وحتي تكوين منظمة الأمم المتحدة التي تتولي حل النزاعات الدولية منذ 1945م وحتي الآن، ولكن التحديات التي يشهدها العالم الآن ونشوب وتطور عدد من النزاعات الدولية والحروب علي الصعيد العالمي مثل: الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب غزة، والصراع في السودان، وسوريا وليبيا واليمن وبورما، وكذلك الصراع التاريخي بين الهند وباكستان، والحروب القبلية والعرقية في دول مختلفة من القارة الأفريقية،  وبوادر حروب في العديد من مناطق العالم مثل تلك التي يمكن أن تندلع بين الصين وتايوان، يهدد السلم العالمي وينذربتفكك منظمة الأمم المتحدة ذاتها، التي حال فيها حق الفيتو بين تحقيق العدالة في معظم القضايا، والذي يتنازعه قوي عظمي تكاد تكون في حالة حرب باردة تدور رحاها في الخفاء أكثر مما في العلن، ووصل إلي المواجهة المسلحة غير المباشرة كما يحدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا علي الأراضي الأوكرانية.
من العوامل الأخري التي تحول بين الأمم المتحدة وبين تحقيق السلام في العالم في العصر الحالي، أن معظم الصراعات الآن تدور بين جيوش منظمة لدول وبين مليشيات مدعومة من دول أخري لتحقيق مصالح في أغلبها اقتصادية، وإن كانت تتخذ شكلا أيديولوجيا أو دينيا أو قوميا، ومحاولة السيطرة علي تلك المليشيات ووضع آلية لتقويض قدرتها يحتاج إلي إجراءات لا تمتلك المنظمة من الإمكانيات أو القوانين التي يمكنها من تحقيق ذلك الهدف، فعندما نشأت المنظمة ألزمت الدول الأعضاء بميثاقها، ولكن بالنسبة لعصابات مسلحة أو جماعات ومليشيات متمردة، فهي لم تضع ذلك في حسابها، وخاصة أن دعم هذه المليشيات يتم عبر أنشطة إجرامية غالبا، أو عبر دول تستخدم النظام المصرفي العالمي دون أي رقابة دولية، وفي النهاية يموت الآلاف من البشر ويُغْتَصَب العديد من النساء ويقتل الكثير من الأطفال في تلك الصراعات الدموية، إما من قبل تلك الجماعات أو من قبل الجيوش التي لا يمكنها بحال من الأحوال السيطرة علي حالة الغضب التي تجتاح مثل تلك النزاعات، التي تتخذ شكل الانتقام والانتقام المضاد بينما تكتفي دول العالم بالإدانة والشجب.
في الحقيقة أن الدول لا تتعلم من التاريخ، فلم تفد الحروب شعبا بل يعاني الجميع منها، ولكن المستفيد هم تجار الحروب الذي يجنون مليارات الدولارات من بيع الأسلحة، والسيطرة علي الموارد الاقتصادية لأطراف النزاع، ومن ثم نهب ثروات الشعوب مثل هذا الذي يحدث في الدول الأفريقية التي تمتلك من الثروات ما يجعل شعوبها أغني شعوب العالم، فبالإضافة للأراضي الزراعية والموارد المائية، فهي تعتبر منجماً هائلاً للمعادن النفيسة والصناعية، ورغم ذلك تجد شعوبها مقسمة لقبائل ومذاهب دينية متصارعة، ورغم أن الجميع يتحدث عن دور الاستعمار القديم في تأجيج تلك النزاعات القبلية، إلا أن الجميع أيضا متورط في التحيز للعرق أو المذهب، وهذا بالقطع ينطبق علي معظم الحروب التي ازدادت وتيرتها عبر العالم مؤخرا.
وكما يبدو أن من في يده مفاتيح الحل ويمسك مقاليد الأمور في العالم لا يرغب في نشر هذا السلام، بل هو طرف أصيل في كل تلك الحروب والنزاعات، فلكي يمكنك من صناعة السلام، يجب ألا تكون طرفا في صناعة الحرب وتسليح طرف من أطراف هذا الصراع، وكنت أود أن أكون متفائلا ولكن القادم لا يحمل معه بشائر لسلام دولي دائم، بل أتوقع أن تنفجر العديد من النقاط الساخنة عبر العالم فهي أشبه بقطع الدومينو المتجاورة التي إذا سقط منها واحد تداعت بقية القطع لتسقط الواحدة تلو الأخرى، وهكذا من المنتظر أن تبدأ حروب وصراعات جديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وربما في أوربا ذاتها، وأتمني ألا يكون هذا العام الجديد هو عاماً لحرب عالمية ثالثة.
وهناك من حاول ويحاول زج مصر في حرب ضروس، بعد أن فشل في هدمها من الداخل، بداية من محاولة توريطها في سوريا ثم اليمن وليبيا، وتأجيج خلافها مع إثيوبيا، ثم دفعها للتدخل في السودان، والآن محاولة جعلها طرفا في حرب غزة، حتي أن من ينظر إلي مصر الآن يجدها محاطة بحزام ناري من الحروب الدموية والصراعات الأهلية المميتة، ولولا سياسة مصر الحكيمة دائما والتي تعرف قيمة السلام وتدرك ويلات الحروب لكنا انخرطنا في مثل تلك المنازعات، وتحولت مصر لدولة فاشلة بالمعني الأصيل للكلمة.
ورغم هذا التوقع إلا أن هناك بصيصاً ضئيلاً من الأمل ربما يشع مع بدايات العام الجديد، أن ينظر العالم المتحضر لصراخ الأطفال والنساء، وأن تكتفي الأرض من كمية الدماء التي سالت عليها، وأن يكف البشر عن زرع بذور الكراهية، وأن تتوقف قوي الشر عن جني الأرباح، و وتدرك أن العالم يحتاج إلي هدنة وسلام يوفر الأمن للشعوب جميعهم دون تفرقة من لون أو مذهب أو عرق أو جنسية، وبالطبع هذا الأمر يتوقف علي العقلاء من البشر، ليفرضوا كلمتهم علي صناع الحروب الذين يجلسون خلف مكاتبهم الفاخرة.

مساحة إعلانية