مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

سيد طنطاوي يكتب: في اليوم العالمي له وبعيدًا عن ضجيج القهوة.. أهل الشاي صحيح مساكين    

2024-05-21 13:31:37 -  تحديث:  2024-05-21 13:55:51 - 
سيد طنطاوي يكتب: في اليوم العالمي له وبعيدًا عن ضجيج القهوة.. أهل الشاي صحيح مساكين      
سيد طنطاوي

لا يُعد الشاي مشروبًا عاديًا لدى المصريين، بل هو ترمومتر الأداء، فبه ومنه العبارة الترحيبية الجميلة "تشرب شاي"، والتي تكون تعبيرًا عن الكرم وحسن الضيافة والمحبة معًا.

يُمكن اعتباره المشروب الرسمي للدولة، فلا يخلو منه منزل، فإن لم يكن صاحب المنزل يفضله فإنه لا يُمكن أن يبخل به على أحبابه وضيوفه.

وتختلف طرق تناول الشاي من محافظة لأخرى، فيُعرف عن أهل الصعيد تناوله ثقيلًا، أما أهل البدو فيفضلونه في البراد وبعضهم يسميه "زردة".

أما أهل الأرياف وبحري فيطلبونه خفيفًا، وتتفاوت نسبهم في السكر، كل حسب مذاقه.

ما يجمع محبي الشاي أنهم أهل مزاج حقيقي، فيتناولونه في صمت، ويطلبونه من أي أحد وفي أي بلد وفي أي منزل، ولا يتحدثون عنه كثيرًا باعتبار أن الصمت أبلغ دليل هنا على المحبة، على عكس محبي القهوة الذين يتحدثون عنها أكثر مما يتناولونها، في نوع من الثرثرة التي يُغني عنها "خمسينة شاي".

تُعد القهوة المشروب الرسمي لمدعي الثقافة وقليل من المثقفين، فهذا أو ذاك يخبرك أنه احتسى فنجانًا من القهوة وقرأ كتابًا أو كتب مقالًا أو أنشد قصيدة، وكل هؤلاء يخبرونك أنهم لديهم طريقة ما في صناعة القهوة ورغم أنها طريقة واحدة مع اختلاف الأداء إلا أن محبيها يتعاملون معها بمنطق الصيت ولا الغنى.

لم يتكلم أحد عن الفارق بين شرب الشاي في الكوب الزجاجي أو حتى الفنجان، فالأمر يختلف من شخص لآخر بشكل طبيعي فلكل فيما يعشق مذاهب، لكن ترى من يفضلون القهوة يتحدثون عن الفارق بين الكوب والفنجان كالفارق بين المشرق والمغرب، بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، وكأن الشعار هنا التضخيم ثم التضخيم.

الأمر هنا ليس تقليلًا من القهوة ومن يشربونها أو حتي يحتسونها، بل هي محاولة لإنصاف الشاي الذي يعرف الجميع قدره، لكن أهله لا يحبون الثرثرة.

يُشرب الشاي "كشري" أي صناعته سريعًا، ومغليًا في دليل على "الثقل" واستخلاص أقصى ما يُمكن من حباته، لكن لا أحد سرد قصصًا خيالية كما يحدث في القهوة عن فنجان القهوة المغلية.

هنا يجب أن نذكر أنه مع ارتفاع أسعار البن مؤخرًا تأثرًا بارتفاع الدولار ظهرت الفضائح أن معظم البن الذي كان موجودًا مصنوعًا من البلح ونواه والبسلة، ولم يكتشف هذا إلا القلة القليلة التي كانت تشرب بنًا فعليًا واختفى مع توقف الاستيراد، ففضحت العامة التي كانت غارقة في جرعات بسلة وبلح ويحدثوننا عن عُمق ثقافة شاربي القهوة.

قليل من إنصاف الشاي يجعله مقدسًا وينشئ حوله دائرة حماية تقيه من شرور المدعين، لأنه بحق مهضوم حقه بين الناس، فقليله كثير دون صخبٍ أو ضجيج.

ويكفي أنه من أجله تُصك المصطلحات، فترى النادل أو القهوجي يقول: "شاي مغلي وشاي كشري وشاي طيارة وشاي ميزة، وشاي حريمي، وشاي حبارة، والقائمة تطول باختلاف اللهجات والأماكن.

في النهاية هو مشروب السلام، ففي أي خلاف، تجد الكلمة السائدة "تعالى نشرب كوبيتين شاي ونحل أي خلاف.

في النهاية السمر والسهر بفرفشة مرتبط بالشاي، فهو مشروب الحزن والفرح والخمول والنشاط، والإنتاج الجيد، فإذا أتيت بصنايعي أو فني لإصلاح شيء ولم تقدم له الشاي كما يجب لن يكون أدائه كما تريد.. فأكرموا الشاي تنالوا عيون البشر.

 

مساحة إعلانية