مساحة إعلانية
لم يتردد محمد صلاح، المحترف المصري في صفوف نادي ليفربول الإنجليزي، في استخدام سطوته الإعلامية وصيّته ضد أي أحد في المنظومة الكروية بمصر.
هذه السطوة لم تأت من فراغ، بل جاءت من أنه لاعب عالمي، والأفضل في تاريخ مصر، ومن أساطير إفريقيا.
وليس عيبًا أن يستخدم الإنسان قوته وتأثيره، لكن العيب في الاستقواء على عناصر المنظومة، حتى وإن كانوا فاشلين.
رامي عباس المحامي ووكيل صلاح، هو الذي زرع فيه هذه الفكرة، وجعله يفرض حقه وما فوق حقه، لدرجة جعلت محمد صلاح أسيرًا عند رامي عباس الذي يتخطى الصلاحيات كوكيل لصلاح، أو حتى مدير أعماله.
بالنظر إلى لاعبين عالميين في مكانة صلاح، وهما البرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي، هل رأينا في أي يوم وكيل أي منهما يتدخل في وضع اللاعب مع المنتخب، هل يفرض عليه دعاية مُحددة؟
السؤال هنا، ما دخل وكيل صلاح في علاقته بالمنتخب؟
طرح هذا السؤال الهدف منه ليس التقليل من شأن صلاح، لكن التحذير من المُبالغة في الأشياء والتي تحرق الأخضر واليابس.
"صلاح" صاحب مجهود جبار مع المنتخب، لكن حتى الآن ماكينة المجهودات لم تنتج قماش إنجازات، وهذه المجهودات لا تزال في طور المحاولة، فهو الذي سدد ضربة الجزاء التي صعدت بمصر إلى مونديال 2018، لكن لا ننسى أبدًا مجهود محمود تريزيجيه الذي حصل عليها، وعلى كلٍ ليس هناك أي غضاضة في أن يُحسب الصعود لصلاح فقط، لكن قبل كأس العالم ذاته دخل صلاح في معركة على صورة الطائرة، إذ كان يريد إزالة صورته من على الطائرة وحينما رفض الاتحاد باعتبار أن الصورة حق أصيل له، استخدم صلاح سطوته الإعلامية، وقال: "بكل أسف طريقة التعامل فيها إهانة كبيرة جدًا.. كنت أتمنى التعامل يكون أرقى من كدا".
قامت ثورة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد اتحاد الكرة مبنية على التاريخ الطويل من الفشل لأعضائه، وفي النهاية خضع الاتحاد لرغبة صلاح.
وهنا لا بد أن نشير هنا إلى أن المسئول عن عقود الرعاية والصور والذي وضع خطة المواجهة مع اتحاد الكرة هو رامي عباس الذي كان قد بدأ الأزمة بتويتة باللغة الإنجليزية تبعتها تويتة من صلاح بصورة مع رامي عباس وكتب عليها: "كل الدعم".
هل يشترط ميسي ورونالدو ألا توضع صورة أيٍ منهما مع منتخب بلاده؟
مجددًا، استخدم صلاح، سطوته بعد شهرين من الخروج من كأس العالم 2018، حينما كتب تويتة قال فيها: "الطبيعي أن أي اتحاد كرة يسعى لحل مشاكل لاعبيه حتى يوفر لهم الراحة، لكن في الحقيقة ما أراه عكس ذلك تمامًا، ليس من الطبيعي أن يتم تجاهل رسائلي ورسائل وكيلي، لا أدري لماذا كل هذا؟ أليس لديكم الوقت الكافي للرد علينا؟"
كانت هذه التويتة إشارة إلى مطالب تقدم بها "صلاح" للاتحاد ولم يأته رد عليها، لكن وقتها خرج الاتحاد وقال إن الطلبات مُبالغ فيها، وهي: وجود حارسين خارج غرفته خلال معسكرات المنتخب وحارس عند المصعد، وأنه لن يظهر في أي لقاءات أو اجتماعات أو أي أحداث للرعاة أو زيارات رسمية إلا بعد مناقشة هذا الأمر مع المحامي (رامي عباس).
ومن ضمن الشروط أيضًا، أن يستقبله اتحاد الكرة عند الطائرة ويصطحبه مباشرة لغرفته دون تعرضه لطلبات تصوير، والتعهد بأن صورته "لن تستخدم بمعرفة الاتحاد دون موافقة كتابية من المحامي سواء بمفرده أو مع باقي اللاعبين.
في كأس الأمم الإفريقية 2019، ورغم الأداء الباهت للمنتخب، وواقعة تحرش اللاعب عمرو وردة، خرج صلاح مدافعًا عن المتحرش، رغم أنه في لقاء إعلامي بإنجلترا قبل هذه الواقعة عندما سأله المذيع عما يرى أنه يستحق الدعم في الوطن العربي قال: "حقوق النساء".
لم ير صلاح تناقضًا بين دعم التحرش وحقوق النساء، حينما أصر على أن يُبقى عمرو وردة مع المنتخب، وحينما نظر إلى الجمهور نظرة لا تليق بعد إحرازه هدف في المباراة الأخيرة بدور المجموعات.
وعلق أحمد حسن أحد الكباتن التاريخيين على هذه الأزمة قائلًا: "أبو صلاح مش طلع بس أقوى من المخدرات، دا طلع أقوى من اتحاد الكرة والمنظومة الرياضية كلها، وعامة كل الدعم لمنتخبنا في القادم".
بسطوته أيضًا، ظن أنه يعاقب الجميع عندما حذف تعريفه كلاعب بمنتخب مصر من "تويتر" آنذاك، عقابًا لاتحاد الكرة على عدم التصويت له في جائزة أحسن لاعب.
صحيح أن الموقف كان سخيفًا، لكن خطأ شخص يجعله يحذف اسم بلده؟
في 2019 أيضًا وبعد دعم المتحرش، دخل صلاح معركة الحصول على شارة كابتن المنتخب المصري، والتي كانت بالأقدمية منذ بدء لعب كرة القدم في مصر، لكن فوجئ الجميع بطلب غريب لمنح محمد صلاح الشارة، متخطيًا في ذلك أكثر من 5 لاعبين على رأسهم أحمد فتحي.
لا يمكن تفسير الأمر على أنه تكريم لصلاح، لماذا نهدم النظام لنكرم لاعبًا، وإذا كان الأمر بهذه الصورة فماذا فعل أحمد فتحي لنعاقبه بسحب الشارة، وهنا أيضًا لا يُمكن استبعاد أن الفكرة في الأساس لرامي عباس الذي يرسم صورة صلاح كـ"براند".
التزم صلاح الصمت في أزمة سحب الشارة ولم يُعلق أبدًا، وترك الأمور تحتدم، وكان ينبغي عليه حينما رأى وسمع اعتراض أحمد فتحي أن يعتذر عنها، خاصة أن فتحي -وهو كابتنه- اعتذر عن الانضمام للمنتخب لمدة عامين اعتراضًا على سلب الشارة منه.
في تصفيات كأس العالم 2022، والتي أقيمت في 2021 امتنع صلاح عن الانضمام للمنتخب بحجة الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا، رغم أن المباريات في الأجندة الدولية، لكن صلاح رفض الانضمام حتى لا يتعرض للعزل عند العودة ويغيب عن مباريات فريقه.
مطلع عام 2022، دخل صلاح معركة الصورة مجددًا، لأن جلسة التصوير الرسمية كانت لكل اللاعبين بمن فيهم صلاح وبالرعاة، لكنه اعترض ودخل عركة جديدة وانتصر فيها كالعادة ونزلت الصورة بمفرده بلا رعاة.
بدأ صلاح بطولة أمم إفريقيا 2023، بمستوى متواضع جدًا، وتعرض للإصابة في الجولة الثانية بدور المجموعات (مباراة غانا)، وترك فيها الملعب، لكن كانت المفاجأة هي سفره لليفربول للعلاج على أن تكون عودته للنهائي إذا وصلت مصر له.
الغريب أن الإعلان جاء من الألماني يورجن كلوب، المدير الفني لليفربول، وقبلها بقليل كان صلاح قد قال في المؤتمر الصحفي إن هناك تواصلًا بين المنتخب وليفربول.
تفسير آخر لإصابة صلاح قدمه رامي عباس الذي أعلن في تويتة عن خطورة الإصابة وليس طبيب المنتخب، في إشارة إلى أن منّ كان يريد أن يعرف تشخيص إصابة صلاح فليسأل الإسباني سيرجيو راموس.
أيضًا في إجابة صلاح على سؤال موجه في الأساس لروي فيتوريا في المؤتمر الصحفي عن احتمالية رحيله حال الخروج المبكر للمنتخب من البطولة، تجاوز صلاح الكل وقال: "لا مكمل"، في رد يعيد النار التي تحت الرماد إلى توهجها خاصة أن هناك اتهامات ضد صلاح بأنه يعين مدربين ويتسبب في رحيل آخرين، ويضم للمنتخب لاعبين بناءً على طلبه الخاص، وصحيح أن هذه الأمور كانت محض تحليلات إعلامية، لكن مع هذا الرد يجب إعادة بحثها مجددًا، لأننا هنا أمام كلمة من صاحب الشأن وليس مجرد تحليل.
عودة صلاح لإنجلترا للعلاج لا يمكن قراءتها إلا في سياق أن صلاح لا يرى منظومة من الأساس ويشكك في قدرات طبيب المنتخب، الذي سبق أن عالجه من الإصابة في كاس العالم 2018 خاصة أن المغربي نصير مزراوي، المحترف ضمن صفوف بايرن ميونخ أصيب، ورفض طلب ناديه لمغادرة معسكر المنتخب، وربما تكون إصابته أقوى من "صلاح".
لماذا غادر صلاح، رغم أن لوائح فيفا تسمح للاعب بالبقاء في معسكر منتخبه وتلزم ناديه بإرسال طاقم طبي يتابع حالته.
لم يُقدر صلاح الشارة التي دخل في عراك من أجلها، وفضل ناديه على أن يعود إذا وصل المنتخب للنهائي، وهذا طبيعي في ظل عقلية رامي عباس التي جعلت صلاح يتعامل كبراند فقط، وبالتالي يريد صورة التواجد في النهائي.. ومنّ قال إن المنتخب سيكون في حاجة صلاح من الأساس؟
لماذا يصمت الكثير خاصة من اللاعبين على ما يفعله صلاح؟
الإجابة نجدها في فيلم فجر الإسلام، في مشهد توزيع الجواري حينما قال سيد قريش لحنظلة: "وزع"، فقال: "هذه لسيدي وهذه لي، وأعاد التوزيع مرة أخرى بواحدة له وأخرى لسيده" فلطمه سيد قريش على وجهه ونادى على عبدٍ آخر ليوزع، فأخذ يوزع الجواري ويقول: "هذه لسيدي في الصباح وهذه له في المساء وهذه له في الظهيرة وهذه له بين الصباح والظهيرة"، فضحك سيد قريش وقال له: "من علمك هذه القسمة" فرد قائلًا: "اللطمة التي على وجه حنظلة.
أيضًا من علّم لاعبي المنتخب والمنظومة كلها الصمت تجاه صلاح؟
الإجابة: اللطمات التي على وجه أحمد فتحي واتحاد الكرة بإداراته المختلفة، وطبيب المنتخب.
انتهى الدرس يا "صلاح".. وستتعلمه حقًا حينما تتخلص من قيود رامي عباس التي جعلتك أسيرًا.. أما حاليًا فكبتنة الأسير لا تجوز.