مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

سيد طنطاوي يكتب: الكل ضل طريقه إلا غزة

2023-11-14 13:30:43 - 
سيد طنطاوي يكتب: الكل ضل طريقه إلا غزة
سيد طنطاوي

 لا تخضع الأمور في غزة لحسابات وقراءات تأتي من خارجها، عملًا بقاعدة لا يُفتي قاعد لمُجاهد، وبالتالي أهل غزة أدرى ببوصلتهم وهم -وحدهم- يعرفون قبلتهم، وهي قِبلة الحق التي لم تتغير.

الأمور في غزة لا تُقاس بمقاييس العقل والمنطق، لذلك مقولات أن المقاومة أخطأت لأنها لم تُقدر حجم رد الفعل محلها تحت الحذاء، لأن العالم أصبح معتادًا على الذل، تخيل أنه أصبح هناك من يُلقى اللوم على الضحية، وهناك من ينفعل على المغتصبة لأنها صرخت.

جزء كبير من العالم أصبح مازوخيًا يتلذذ بالتعذيب، ويلومون غزة لأنها سوّية، الأمر وصل إلى أن اللوم لم يأت من الخارج فقط، بل إن بعض شقيقات غزة ألقين عليها اللوم.

الشقيقات غضبن من أن شقيقتهن حرة وترفض أن تأكل بثدييها، فوجهن لها اللوم وهو لوم كطعن الخناجر، لكن إذا عُرف سبب لوم الشقيقات سيبطل العجب، وهو ما نجده في مقولة: "ودت الزانية لو زنت جميع النساء".

غزة الآن تعرف طريقها، وباقي العالم ضل، القتل مستمر وأهالي الشهداء يقولون: "حيا الله المقاومة".

رجل استشهد كل أبنائه فخرج يقول: "لا لوم على المقاومة اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى، وخذ من أبنائنا حتى ترضى".

هذا رجل كَسَرَ كل التابوهات، آمن بقضيته فلم تضل بوصلته، دفع الغالي ومستمر، كسروا قلبه ولم يندم، وقدم تعريفًا لأهل غزة للعالم، وأعطى درسًا استراتيجيًا مفاده: كيف تهزم عدوك وإن قتلك؟

المقاومة الفلسطينية أعطت تعريفًا جديدًا لكل شيء، وقدمت لنا غزة كدنيا جديدة، الصفر فيها له معنى وفيه حياة، وهو أكبر الأرقام وأقواها، والموت هو المعنى الحقيقي للحياة، هو البداية والوصول في آنٍ واحد.

غزة تحملت الدماء والقتل والبتر وسحق الأطفال والخطف والاعتقال والحرق، ولم يهزها موت الإنسانية في أعين العالم، لكنها تألمت من اللوم، الذي لا يخرج عن إطار الحماقة.

هناك من يُلقى اللوم على امرأة تُغتصب لأنها صرخت، ماذا لو كان عاش هؤلاء قبل نصف قرن؟

هل كانوا سيرون في مقاومة المحتل في كل البلاد العربية تمردًا؟

هل كانوا سيرون في حرب الاستنزاف حماقة؟

هل كانوا سيرون عمر المختار ضيق الأفق؟

هل كانوا سيرون في جميلة بوحيرد متمردة تسعى إلى الشو؟  

النضال والمقاومة أصبحا تمردًا، ومن أراد أن يعرف الأشياء بمسمياتها الحقيقية فلينظر إلى غزة، هناك لا يزال الحق حقًا والباطل باطلًا.

مساحة إعلانية