مساحة إعلانية
هَيْتَ لَكَ
تأخذنا الدنيا في أحضانها غير عابئة بما نحن فيه وله، ننجرف نحوها غير مكترسين لعاقبة الخواتيم، نلبس من حليها ما تهواه الأنفس، ونأكل ما تلذ به الأعين، منا من يسكن في قصورها، ومنا من يسكن في جحورها، هوة سحيقة ما بين غنيها وفقيرها، ولا غرو في ذلك، أناس تأكل بملاعق من ذهب، وآخرون يسفون التراب في وصب، جاهلون يمتطون الجياد في زهو ولهو ولعب، وعالمون يمشون تعبا في تعب - حقا إنها الدنيا - مليئة بالمتناقضات، منعمون يفعلون الموبقات، ومتعبون يكفرون عن تلك السيئات، هي الدنيا تدعو إلي متعها في رحلة الحياة يوما بعد يوم، فيقترب منها كل جاهل ويغض الطرف عنها كل عاقل، نسير في فلكها، فلا نعرف لآخرها امتداداً، ونصطحب من سكانها، فلا نجد بقلوبهم راحة أو ودادا، مهيؤون لكل معصية -إلا من رحم ربي - هي الدنيا تقول لكل واحد منا : هَيْتَ لَكَ، ادنو منى، اقترب ولا تضطرب، هيت وهئت لك اطلبني سوف تجدنى، فإذا بنداء عاجل يأتي كما البرق، لا سمع ولا طاعة، الدنيا أمارة بالسوء وخداعة، حليها لجام، وحريرها حزام، وطعامها سقام، وفرشها من نار، ننوء بأنفسنا كما القطط إذا نهرت وكما الأغنام إذا قهرت، الحب فيها صريغ، والعقل فيها رجيع، عزها زل، وزلها مر، هي الدنيا، مرة معانيها، سيئة مبانيها، دالها دنو، ونونها نهاية، وياؤها غواية، وألفها دلالة وآية، لا نعرف لها بداية ولا نقرأ لها نهاية، معلقة بأرواحنا، مسجية بأجسادنا، مطوية بصحائفنا، مسجل بها وعليها كل أعمالنا،أناس غارقون في حبها، متيمون بشهواتها ومتعها، وآخرون لا يرون لها مقراً ولا مستقراً، مطمئنة نفوسهم بأنها ممر، إما إلي الجنة وإما إلي النار، طعامهم شعير، وغموسهم خل وملح يسير، إذا أكلوا لا يشبعون، وإذا رقدوا لا ينامون، معطلة شهواتهم، موقوفة نزواتهم، هي الدنيا، سكانها كثير، ما خلا فيها نذير بالتبشير أو التحذير، ميزانها مرفوع، وكتابها موضوع، الظالم فيها هالك، وإن تعددت له النعم والممالك، والمظلوم فيها ناج، ولو اتفق عليه كل العباد، لها رب مسيطر، عليها مهيمن، لا يغفل بليل أو نهار هو الواحد الأحد الفرد الصمد القهار، رد الأمر إليه واتكل دوما عليه، فلا تغرك الدنيا بزينتها، ولا تجذع من ضيق رزقها، فكم من أناس لهم من النعيم وهم خاسرون، وكم من أناس مقتر عليهم في الرزق وهم منعمون . فهي دار فناء ولا يوجد فيها من سعي للبقاء .
hyasser10@yahoo.com