مساحة إعلانية
عندما شــدَت مطربة مصر الكبيرة " ( أســمهان) بأغنية " ليت للـبرّاق عينا " فى لحن من صنع " القصبجى" الموسيقار المصرى الكبير، لم يكن كثير من الناس يعرفون : معنى " البرّاق " ولا معنى هذه الكلمات ولا مدلولاتها ، ولا من هو قائل القصيدة التى كانت هذه الكلمات مقطعا منها
أما "البـرّاق" فهو فارس العرب الشهير، و اسمه (البرّاق بن روحان أسد بن بكر)، من بنى ربيعة ، و تقول كتب التاريخ إن البرّاق هو ابن عم كليب والزير سالم (مهلهل) ، وهو أكبر منهما عمرا وأقدم فى الفروسية ، بل كان هو قدوتهما فى الشجاعة ، ولأن البرّاق أكبر منهما عمرًا، فلم يكن كليب والزير سالم ، يخرجان عن أمره ، كان البرّاق من أشجع شجعان قبائل ربيعة ، إلى درجة أن العرب تقول فى كتب التاريخ إنه إليه ينتهى مجد ربيعة .. وهو -أيضا - شاعر من فحول الشعراء الجاهليين ، وكان له ابنة عم تُدعى "ليلى" أحبها وأحبته ، ووعده أبوها بأن تكون له زوجة ( ليلى بنت لكيز بن مرة بن أسد من" ربيعة بن نزار" )
ولما كانت " ليلى " أملح بنات العرب فى عصرها، وأجملهن خصالا ، فهى آية فى الجمال ، تامة الحسن ، كثيرة الأدب ، وافرة العقل ، فقد شاع ذكرها عند العرب ، فطمع أحد أمراء الفرس ، فى أن يتزوجها ( ولما كان زواج العربية من أعجمىّ تأباه العرب) دبّر الأعجمىّ حيلة لاختطافها- أثناء رحلة تجارية إلى اليمن مع أبيها التاجر - وتم الاختطاف، وتكتّم أبوها الخبر ، وحُملت "ليلى" إلى بلاد فارس ، زعما من الأعجمى أنها عندما تبتعد عن قبيلتها ، قد ترضخ له ، ولكنها رفضته وآثرت قسوة وعذاب الأسر )
عذبوها فى الأسر وأهانوها ، فأطلقت صرختها من خلال الشعر، و هى الشاعرة العربية الجاهلية ، و هى واحدة من أشهر النساء فى التاريخ العربى ، هى صرخة من داخل محبسها فى قصر الأمير الأعجمى - وبالطبع لما لم تستسلم لسجانيها، فأهانوها ، فكان لا بد من أن تستنجد بابن عمها البرّاق بن روحان - فارس بنى ربيعة -
وكانت هذه القصيدة التى حفظها لنا التاريخ ، لتتغنى أسمهان ببعض من
أباتها لتلك الشاعرة ، التى اشتهرت بجمالها وشجاعتها وأدبها
( ليت للبرّاق عينًا فترى ما ألاقى من بلاء و عـنَا
عُـذّبت أختكم يا ويلكم بعذاب النكر صبحا و مسا
غلّلونى ، قيّدونى ، ضربوا جسمى الناحل منّى بالعصا)
تحكى فيها حالة امرأة عربية شجاعة، لم تستسلم لسجّانيها، قالتها لتُعلم أبناء قبيلتها، وفرسان العرب كافة بمكانها ، وتستثير نخوة شجعانهم ، وتستحثهم على تخليصها من أسرها، حيث سجنها الأعجمىّ ، حين امتنعت على الزواج منه ، و تصف فيها ماتقاسيه ابنة العرب المكبلة فى سجن الأعاجم ، تقاسى أشد أنواع الألم من سجّانيها ، وبالصدفة البحتة رأت فى حديقة القصر- الذى كانت محتجزة فيه - راعيا عرفت أنه عربى ، و سألته " هل تعرف البرّاق ؟ " فأجابها : ومن لا يعرف "البـرّاق " فارس العرب ، فحمّلته القصيدة ليوصّلها إلى قبيلتها، حتى تهبّ لتخليصها من هول ما تلاقى فى أسرها. .
كانت القصيدة صرخة مثل صرخات أخرى اشتهرت فى التاريخ مثل
" وامعتصماه " و " وا إسلاماه "..
و ما إن سمع " البرّاق " من الراعى ، ما جرى، فلم يصبر، وقام من فوره، ودعا كل قبائل العرب وفرسانها كافة، وأغار على آل ساسان فى عقر دارهم ، ودارت حرب طاحنة بين الفرس والعرب ، قُتل فيها أخو البرّاق ، فصار للبرّاق عند الفُرس ثأران : اختطاف ليلى و تعذيبها ، ومقتل أخيه . . فأخذته الحمية العربية ، وثارت ثائرته ، وبشجاعة الفارس العربى القائد ، اقتحم "البرّاق " القصرالساسانى ، ودمّره و قتل أميره ، و هزم الساسانيين وانتصر عليهم ، وحرر " ليلى" من الأسر ، وعاد بها إلى ديار القبيلة ..!
كانت قصة "ليلى " و " والبرّاق " من أعظم قصص العرب فى الجاهلية ، فهى قصة عشق وشجاعة ، قصة حب وحرب ، قصة البرّاق بن روحان وليلى العفيفة ، بنت عمه ..!
توفى " البرّاق " نحو 150 قبل الهجرة