مساحة إعلانية
وأخيرا استقبلنا "الملك لير" - رائعة شكسبير - بهذه النخبة من الفنانين الكبار الذين اجتهدوا ، و قدّموا لنا فنّا راقيا و رائعا ، بأداء "يحيى الفخرانى " ورؤية المخرج المتميز "شادى سرور " ، العصرية البديعة
و" الملك لير " هو ملك أسطورى ، ومعنى " لـير" فى الأساطير الأيرلندية القديمة - هو البحر ، أو إله البحر وتاريخيا ، هذه المسرحية هى بنت مطلع القرن السابع عشر الميلادى ، وتدور أحداث القصة فى بريطانيا القديمة ، والقصة فى الواقع لها جذورها فى الثقافة الشعبية فى العصور الوسطى ، و شكسبير لم يكن أول من روى قصة هذا الملك المأساوية ..!
وقال النقاد إن شيكسبير كتب هذا العمل ، تأثرا ببعض القضايا المثيرة فى تلك الحقبة ، والتى أثارت القلق بشأن إرث البنات ، والتى حرص فيها شكسبير على التأكيد على انتصار الشر ، بمقتل الملك وابنتيه، وأصرّ على هذه النهاية التراجيدية المؤثرة
وعلى الرغم من أن " وليم شيكسبير " (الشاعر والكاتب والممثل الانجليزى البارز ، فى الأدب الانجليزى خاصة ، والأدب العالمى عامة والذى سُمّى بشاعر الوطنية) ، والذى أبدع هاملت ، ومكبث ، وتاجر البندقية ، وعطيل ، روميو وجولييت ، وغيرها ، فإن مسرحية " الملك لير " هى رائعته الخالدة ، وهى من أهم الكلاسيكيات العالمية التى قُدّمت - مسرحيا - على مدى الأعوام ، وما زالت تقدم حتى الآن ..
وعن انطلاق عرض هذه المأساة " الملك لير " مؤخرا على "خشبة المسرح القومى " فى القاهرة ، وعقب مشاهدة المسرحية التى يعرضها المسرح القومى خلال هذه الفترة ، نقول :
إن المسرحية تتلخص فى أن الملك الإنجليزى " لــير "، عندما تقدم به العمر وأصبح مسنّا ، قرّر أن يتخلى عن سلطته السياسية وأراضيه ، ويقسّم ملكه وأراضى دولته ، بين بناته الثلاث ، بنتيه( اللتين تنافقانه ) إذ تعللتا ، فلم تستقبله أى منهما فى منزلها ، فيصاب بالجنون ويرتدى تاجا من القش ، ويتجول فى العاصمة ، تعود ابنته المنفية بجيش فرنسى ، لكنهما تخسران المعركة، ويموت لير وجميع بناته
وقد أخطأ الملك لير عندما قام بتقسيم سلطته و مملكته بين بناته الثلاث ، فطلب منهن إعلان حبهن علنا ، أعلنت البنتان الكبرى والوسطى -كذبا - أنهما تحبانه أكثر من أى شئ ، وقدّمتا الولاء كسبا للودّ ، وبينما احتضن وقرب منه ابنتيه الأخرييتين الفاسدتين -لأنهما نافقتاه - وقسم المملكة بينهما ، ويتولى أصهاره الحكم كأوصياء ، و يحتفظ " الملك لـير " بلقب الملك ، فقط
ولكن الصغرى التى قالت له صادقةً ، إننى أحبك كما تحب أى بنت أباها ، فجرّدها من مهرها ، و يتخلى الأب عن ابنته "كورديليا " التى تحبه حبا صادقا ، و لا تنافقه ، و تزوجت من ملك فرنسا ، وهى التى حاولت أن تنقذه من فجيعته ، بواسطة جيش فرنسى ولم تفلح .
و الآن ، تعود مسرحية " الملك لير " على خشبة المسرح فى القاهرة ، فى احتفال كبير فى تجربة كُتب لها النجاح ، بعد أن أعلن " المسرح القومى " - هذا الصرح الفنى الشامخ والعريق - عن العرض المسرحى
و مسرحية "الملك لير" ، تمثل عودة فنية متميزة ، وتعيد تأكيد أهمية المسرح القومى كمنبر للأعمال الكبرى ، وتسلط الضوء على قدرة النصوص الكلاسيكية على التجديد، حين تقدم برؤية إخراجية واعدة ، وبأداء تمثيلى متقن
ويعود "الملك لير " - العودة الملكية - فى شخص الممثل القدير د. يحيى الفخرانى - ويعيد البيت الفنى للمسرح تقديمها برؤية فنية معاصرة للمخرج الكبير شادى سرور
و لا شك فى أن تقديم " الملك لــير " على خشبة المسرح القومى، هو إثراء للحركة الفنية والمسرحية والثقافية ، فهى - بالقطع - تمثل عودة فنية رائعة ، ومما يُذكر أن وزير الثقافة المصرى حضر افتتاح العرض ، مؤكدا دعم التجارب المسرحية ذات الطابع الكلاسيكى ، تحت مظلة الإنتاج المسرحى لوزارة الثقافة ، ليس فقط بعودة "الملك لير"، ولكن - كعادته فى تقديم الروائع المسرحية العالمية - يتألق المسرح القومى فى أبهى صورة له ، فقد كنا - دائما - فى انتظار هذه التحفة المسرحية الرائعة أن تُجسّد عربيا على المسرح
و الجدير بالذكر أن جمهور المسرح لم يغب على طول المدى ، حيث يشهد العرض حضورا جماهيريا لافتا، ولقد كان الكل راضيا عمّا تمّ ، حتى على المستوى الشخصى للمثل "يحيى الفخرانى" ، فهو يقول : سبق وأن قدمت مسرحية "الملك لير" على خشبة المسرح القومى ، من قبل ، ولكن كنت فى شبابى ، وكنت أتمثّـل قيامى بتجسيد دور " الملك لــير "، ولكنى الآن وقد بلغتْ سنّى سنّ "الملك لير " ، الذى أراده المؤلف ، فصارت كل المشاعر طبيعية و ليس فيها تكلف ، لذا فقد انبهرنا بأداء يحيى الفخرانى ، كما انبهرنا بالإضاءة ، وانبهرنا بالديكور، وانبهرنا بملابس وبالموسيقى ، و بأداء المجاميع الراقى الذى حرص المخرج على ضبط إيقاعه ضبطا تاما ، فقد كانوا جميعا مجيدين، واذا كنا انبهرنا بالتوظيف الصحيح لطبقات الصوت الأدائى إلا أن بعض الصراخ العالى - أحيانا فيما يشبه الأداء الأوبرالى - الذى تخلل بعض المشاهد
شهد العرض حضورا جماهيريا كثيفا ، كما أن تفاعل الجمهور مع العمل والتزامه بقوانين المسرح ، ظل منذ بدايته و حتى لحظاته الأخيرة ..!