مساحة إعلانية
هى زينة لفظية أو زخرف بديعى ، ومن هذه المحسّنات البديعية السجع ، والتورية ، والجناس ، والغرض من المحسنات تنميق الكلام وتزيينه ، فهما من الوسائل التى يستعين بها الأديب لإظهار مشاعره وعواطفه ، وللتأثير فى النفس ، وهذه المحسنات تكون رائعة ، إذا كانت قليلة ومؤدية المعنى الذى يقصده الأديب ، أما إذا جاءت كثيرة ومتكلّفة ، فقدت جمالها وتأثيرها ، وأصبحت دليل ضعف الأسلوب وعجز الأديب
*
ثالثًـا( الـجـــنـاس )
……………………………
الجناس : هو أن تتشابه كلمتان لفظًا ، وتختلفان معنىً ، و كان البلاغيون يستحسنون الجناس ، (ونشير إلى أن أكثر الجناس المُـتَـكَـلّـف - من شدة الإفراط فيه والتمسك به - يثير الضحك أو الاستهزاء)
وتسمية "الجناس" جاءت ، للتجانس الظاهر فى رسم الكلمتين .
واصطلاحًا ، هو أن يتفق اللفظان فى الهيئة ، (أى فى نوع الأحرف ، وعددها ، وترتيبها ، وتشكيلها)، أى الكلمتان تتفقان فى الشكل ، وتختلفان فى المعنى ، وهذا هو الجناس التام أو الكامل
وإذا ما اتفقت فيه الكلمتان فى هذه الأمور الأربعة .. فإنه يسمّى بالجناس التام الموجب ، مثل (صلّيت المغرب فى أحد مساجد المغرب ) و ( يقينى بالله يقينى ) و (أرْضِهِم ما دُمت فى أرْضِهم) ،
وهذا هو الجناس التام الموجب
ومن جناس التقفية -أى فى القوافى - يقول شوقى
(ولو ذاقوا هوَى العِلْم ِ …
كما ذُقتُ ، فنَوْا فيه
يعيبُ السّمّ فى الأفْـعَى …
وكلُّ السّمِّ فى فيه)
و فى مربعات فن الواو ، تتجانس قوافى صدور الأبيات معًا ، و تتجانس أعجاز الأبيات معًا ، فى كل مربع ..
ومنه يقول كاتب هذه السطور:
(أوّل كلامى ح اصلّى . .
ع اللى الغزالة مشتْ لُـه
واحْكِى على اللى حصلّى . .
وزرع همومى فْ مشاتْـلُـه)
و سِرّ جمال الجناس ، فى أنه يُحدث نغمًا موسيقيّا، تطرب له الأذن ، ويثير النفس .. كما يؤدّى إلى حركة ذهنية تثير الانتباه ، عن طريق الاختلاف فى المعنى ..!
وقالوا إن الكلمة الثانية - فى الجناس- ترِد ، وظاهرها أنها تكرار للكلمة الأولى ، فإذا تأمّلت فى معناها ، عرفت أنها كلمة جديدة ، فكأنك حصلت على كسب لم تكن
تتوقعه ..!
ويزداد الجناس جمالًا إذا كان نابعًا من طبيعة المعانى التى يعبّر بها الأديب ، ولم يكن متكلّفًا ، وإلا كان زينة شكلية ، لا قيمة لها ..
أمّا الجناس الناقص ، فهو ما اختلف فيه اللفظان فى أحد هذه الشروط الأربعة التى ذكرناها آنفًا، ففى قول الشاعر
( من بحر شعرك أغـترفْ
وبفضل عِـلمك أعـترفْ )
هنا الاختلاف فى نوع الأحرف ، ( أغـترف ، وأعـترف )، ، ومثل ذلك ، فى التنزيل العزيز( وهم ينهوْن عنه وينأوْن عنه )
و أيضًا ( ويْلٌ لكل هُـمَـزَة لُـمَزة )
هنا الاختلاف فى نوع الأحرف
( ينهوْن ، وينأوْن )،
وكذلك ( هُمَزة ، ولُـمَزة)
أما فى قول الشاعر
(بيضُ الصفائح لا سُود الصحائف فى
مُـتونهن جلاءُ الشكّ و الرّيَبِ)
فهنا ، الأحرف هى هى ، والاختلاف فى ترتيب الأحرف (الصفائح ، والصحائف )
أما فى قول الشاعر
(ياللـغُـروبِ وما به من عَـبْرة
للمُـستهام وعِـبْرة للرائى) ،
وقول الشاعر
( الجَـدّ فى الجِــدّ والحِـرمان فى الكسلِ
فانصب تُصِبْ عـن قريب غـاية الأملِ )
فهنا ، الحروف هى هى ، ولكن الاختلاف فى الضبط أو التشكيل
(عَبرة - عِبرة ) ،
و(الجَدّ - الجِـدّ)
و الشعر يحسُن
بـ "جمال" قوافيه ، وليس بـ "جناس" قوافيه
وجمال الجناس فى تعدّد الإيحاءات ، ففى التنزيل العزيز ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) ، فـ "الساعة" المذكورة أولا ، تعنى يوم قيام الساعة ، أى يوم القيامة ، و" ساعة" الثانية تعنى ساعة من الزمن ..
وعبارة " يقينى بالله يقينى " ، يقينى -الأولى- مضاف ومضاف إليه (من اليقين والتأكد ) ويقينى -الثانية- فعل مضارع (من الوقاية )
و
(طرقت الباب حتى كلّ مَـتْنى / فلما كلّ متْنى كلّمتنى)
(كلّ متْنى) بمعنى تعب ذراعى من الطرْق ، و(كلمتنى)
من الكلام
وفى مربع "فن الواو" التراثى الذى يقول
(طبيب الجرايح قوم الْحَـق/ وهات الدّوَا اللى يوافق
فيه ناس تعرف الْحَـق / ولاجْل الضرورة توافق )
وقال بعضهم
(رأيت الناس قد مالوا / إلى من عنده مالُ )
(رأيت الناس قد ذهبوا / إلى من عنده ذهبُ)
(ومن ما عنده فضّة / فعنه الناس منفضّة)
