مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب :من ذكرياتي الشيخ شبكنا

2024-05-09 02:39:02 - 
الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب :من ذكرياتي الشيخ شبكنا
الشاعر الدكتور مصطفي رجب

أما المشيخة فجاءته من كونه أزهريا ، وإن كان يرتدي بِدَلاً غربية لها جيوب خارجية وداخلية وسحرية ، وتتوزع هذه الجيوب في الجاكتات وتوابعها من الصديريات والبناطيل يمينا ويسارا وظاهرا وباطنا ، ولأننا نعرف في الشيخ حرصه الشديد على المال ، ونتوقع أن يكون استعماله لتلك الجيوب الكثيرة نادرا أو أقل من النادر ، فلم نكن نعبأ كثيرا بسؤاله عما عسى أن تحتويه تلك الجيوب ! 
فالشيخ في النهاية رجل مسالم غاية المسالمة ، طيب إلى آخر حدود الطيبة ، لا يزعجنا منه إلا صوته الميكروفوني المتدفق ، فحين نكون جالسين في مكاتبنا نتبادل الأراء في مسألة علمية في النحو مثلا أو في السياسة ، يقتحم جلستنا صوته الصاروخي هادرا ببيت من قصيدة يشرحها لطلابه .. وكثيرا ما كانت أبياته تلك تسرقنا مما نحن فيه من خلافات أو جدل ونتابع – متفقين أو مختلفين – شرحه للقصيدة .. فإذا عاد بالسلامة من درسه انكب على كوب شاي يصنعه لنفسه ولم يسأل عما يثور بيننا من خلافات حول شرحه الأبتر .
وحدث ذات مرة أن عزمنا عميد الكلية على طعام في الكلية لم يكن لي به عهد من قبل ، فقد كانت الجلسة كلها أرضية على بُسُط مفروشة ، وتتوسط المجلس أجسام جداء مشوية بحجمها الطبيعي !! 
وما ان بدأ الطعام وقال العميد : تفضلوا .....حتى انطلقت أكف رفاقنا جميعا تقتطع أكبر قطعة ممكنة من ورك جدي أو من صدره ، وبقيت حائرا ضاحكا مستغربا مما يفعلون .. وكان أكثرهم – مع خبراتهم السابقة – يعانون من تمليخ أجزاء الجداء وسحبها دون أن تصيب قطعها الطائرة آناف أحد من الغارقين !
وفجأة ...انتبهت لصاحبنا الشيخ شبكبك ... فوجدته قد أخرج من أحد تلك الجيووووب الخفية العميقة المنتشرة في بدلته مطواة " قرن غزال والله العظيم !!! " وفتحها بهدوء .. وكان يمر بها وقد خبأها وسط يده فيقتطع من الجداء المحمرة ما لا تصل إليه أيدي الآخرين الطائشة ، ثم وضع يده الأخرى فاستخرج في هدوء وحذر بالغين ، وتربص وحرص شديدين ، من أحد تلك الجيووووب الخفية العميقة المنتشرة في بدلته كيسا من البلاستيك يضع فيه تلك القطع التي اصطفاها من كرائم القطع الحمراء ، فلما صار ما في ذلك الكيس قريبا من البطيخة في حجمه ، ستره وراء ظهره ، ليأخذه معه إذا انصرفنا من الحفل ، وأقبل بعد تأمين كيسه ذاك ، يأكل مما يأكل الناس لكن باستخدام مطواته التي تسهل له الحصول على ما يريد ...
مر هذا الشهر ما يزيد عن 42 سنة على تلك الواقعة !!
لكنني لا أستطيع أن أنساها ، ولا أنسى ذكاء شيخنا في اقتناء مطواة لهذا النزال ، ولا أعرف إن كان مولانا مازال حيا " يرزع " أم أدركته رحمة الله ...

مساحة إعلانية