مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: اسمها جريدة الكلب

2024-11-11 03:50:14 -  تحديث:  2024-11-11 03:54:24 - 
الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: اسمها جريدة الكلب
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

قصة جريدة فكاهية مجهولة!!

يرجع تاريخ الصحافة الفكاهية في الوطن العربى إلى أواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد حين صدرت بمصر فى عهد الخديوى إسماعيل مجلة (أبو نضارة) التى أصدرها يعقوب صنوع فى سنة 1876 وكان اسمها فى البداية (أبو نضارة زرقاء: جريدة مسليات ومضحكات) وكان توزيعها يزيد على عشرة آلاف نسخة وهو رقم كبير جداً بمقاييس تلك الأيام.
ثم أصدر عبد الله النديم فى 6 يونيو سنه 1891 صحيفة “ التنكيت والتبكيت “ وهى صحيفة أدبية تهذيبية كانت تتناول النقد بطريقة ساخرة وتضمنت مقالاته بها الدفاع عن الفصحى وبيان أهميتها والدعوة إلى المحافظة عليها وكان يكتبها تحت عنوان “ أيها الناطق بالضاد “ ولقد استمال أسلوب الجريدة القراء وشد انتباههم وزاد الصحيفة شهرة مخاطبتها للعامة والنزول إلى مستواهم الفكرى. 
ومع مطلع القرن العشرين صدرت مجلات وصحف فكاهية أخذت تتكاثر شيئاً فشيئاً واستقطبت أقلام مشاهير الأدباء وفى مقدمتهم بيرم التونسى وحسين شفيق المصرى وغيرهما ممن اتخذوا الطابع الفكاهى علامة مميزة لأسلوبهم فى مخاطبة القارئ.
وتوالى صدور المجلات الفكاهية فصدرت (حمارة منيتى) لصاحبها محمد توفيق سنه 1900م وكانت سياسية فكاهية. وفى سنه 1907 أصدر أحمد حافظ عوض مجلة ( خيال الظل* وأدخل فيها الصور الكاريكاتورية ناقدة للحكومة والحكام، وتتعاقب المجلات الفكاهية فتصدر مجلة (السيف ) ثم" السيف والمسامير " لتبرع فيما يطلقون عليه “ القفشات “ حول السياسة والحكم والمجتمع وبعض الشخصيات البارزة وقتذاك، وقد أصدرها حسين على وأحمد عباس.
ثم صدرت أشهر المجلات الفكاهية وهى مجلة “ الكشكول “ التى ظهرت سنة 1921 لصاحبها سليمان فوزى، وقد اهتمت بالفكاهة السياسية .. ولقد وقفت لحزب الوفد بالمرصاد تهاجم الزعيم سعد زغلول وتنقد سياسة الوفد بالصور الكاريكاتورية والمقالات والمقامات.
ويقول الأستاذ عبد الله أحمد عبد الله المؤرخ الفنى المعروف بـ "ميكى ماوس" متحدثاً عن مجلات (البغبغان- السيف- الناس- المسامير): " أنها كلها كان يحررها الأستاذ حسين شفيق المصرى وتسعفه طاقته النادرة فى الإضحاك بالقلم على تحرير 16 صفحة واسعة الجنبات أسبوعياً وأذكر أن موادها كانت تدور حول ( حديث أم إسماعيل ) - ( حديث الحاج سيد)- (القهوة البلدى)- (المشعلقات)-وكلها كانت أبواباً ناجحة فى وقتها، وانتقلت معه إلى المطرقة حين تولى تحريرها بعد هذه الصحف الأربع بعام أو أكثر ولقد توارثنا نحن الجيل التالى له بعض هذه الأبواب حين عملنا فى الصحافة الفكاهية وان كنا طورناها أسلوباً ومضموناً بما يلائم إيقاع العصر”.(1)
وفى عام 1928 أصدر الأستاذ بديع خيرى مجلة فكاهية باسم (1000 صنف ) أسبوعية من القطع المتوسط فى 24 صفحة. تميزت بأبيات زجلية ثابتة، على غلاف كل عدد ، وفى عهد صدقى باشا عندما كان رئيساً للوزراء عام 1930 صدرت مجلة (المطرقة) مجلة فكاهية أسبوعية من القطع الطويل فى 8 أو 10 أو 12 صفحة أحياناً بخمسة مليمات لساناً شعبياً لحزب الوفد المعارض ، تنشر الفكاهات والأزجال والمواد الأخرى تسخر بها من صدقى باشا وحكومته وتهلل للوفد والنحاس باشا وكان الرأى العام يتجاوب مع هذه السياسة ويرى فى المطرقة لسانه الساخر الظريف الذى يشبع رغبته فى الانتقام من عهد صدقى باشا.
فإذا انتقلنا من مصر إلى الشام وجدنا جريدة ( العرفان ) التى كانت تصدر فى صيدا لمؤسسها أحمد عارف الزين، وجريدة ( الخازوق ) التى أصدرها أيام الانتداب الفرنسى الشاعر المهندس فؤاد جرداق شفيق الشاعر جورج جرداق مؤلف قصيدة “ هذه ليلتى “ التى غنتها السيدة أم كلثوم.
وكانت " الخازوق " تستخدم التورية للتحريض بالمحتلين الغرباء ومن أمثلة ذلك قولها:
" علمنا بكل سرور أن صاحبة العصمة عقيلة المفوض السامى الفرنسى قد عادت من فرنسا إلى بيروت ، بعدما فرغت من زيارتها إلى الديار الفرنسية. و" الخازوق " يرحب بقدوم صاحبة العصمة أجمل ترحيب” (2)
قصة جريدة الكلب:
غير أن جريدة " الكلب " التى أصدرها فى دمشق الأديب صدقى إسماعيل تفردت بين جميع الصحف والمجلات الفكاهية على امتداد الزمان والمكان العربيين بعدة أشياء :
أولها: أنها صدرت بدون ترخيص فقد بدأ صاحبها يخطها بخط يده من الألف إلى الياء وهو جالس على المقهى ثم يوزعها على أصدقائه دون ثمن ودون اشتراكات. 
ثانيها:أن جميع موضوعاتها تصافح شعراء وقد ضمنت موضوعاتها ( المقال الافتتاحى- المانشيت- المقال الرئيسى- الطقس- كلمة العدد- مقال فى السياسة الدولية - مقال فى السياسة الداخلية- يوميات رئيس التحرير - صورة العدد- الإعلانات... وغير ذلك )
ثالثتها: أن تلك الصحيفة التى التزمت الشعر وسيلة للتعبير وطوعته ليكون وعاء لكل المواد الصحفية باقتدار بارع. لم تخرج عن حدود الأوزان التقليدية القديمة. بل وأكثر من ذلك كانت تميل إلى السخرية من الشعر الحديث وتتندر به.
وقد جمعت أعداد " الكلب " وصدرت مطبوعة طبعة فخمة ضخمة عن مطابع الإدارة السياسية فى دمشق مصحوبة بتقديم واف كتبه الشاعر الكبير سليمان العيسى. (3)
وكان الشاعر سليمان العيسى فيما يبدو صديقاً لصاحب “ الكلب “ المرحوم صدقى إسماعيل. فنحن نجد فى ديوانه " الديوان الضاحك " (4) قصيدة بعنوان " كنا فى هلسنكى " يبدو منها أن سليمان العيسى كان عضواً فى مؤتمر السلم العلمى الذى انعقد فى هلسنكى عاصمة فنلندا فى أواسط الستينيات فبعث بقصيدته تلك إلى جريدة " الكلب " باعتباره مندوباً لها فى المؤتمر ولكن الشاعر يقول فى مقدمة قصيدته وفى ثناياها أنه مندوب جريدة (ابن الكلب) بمقدمة تقول:
نحن فى منتصف الليل هنا
نحن عند القطب لايفصلنا
إن فنلنـدا بلاد حلــوة
 وضياء الشمس فى كل مكان
عنه فى الواقع إلا فشختان (5)
وكثـيرات بفنـلندا الحسـان

ثم تقدم القصيدة عدة لقطات للمؤتمر كتغطية صحفية شعرية لوقائعه وفعالياته فتقول بعض مقاطعها:
جاءت " ابن الكلــب " من سورية
أصدقاء السلم قد حلوا هنا
 كسـواها لحضور المهرجان
من أقاصى الصين حتى ميشغان

رأى عام :
أمريكا بنت كلب هكذا
شردتنا وأقامت دولة
هذه قصتنا موجزة
 أجمع الرأى ووافقنا كمان
فى أراضينا كرأس الأفعوان
تؤثر "ابن كلب" إيجاز البيان

فى السياسة الدولية:
وخناق الصين يبدو حامياً
وقفت ألبانيا بينهما
 مع موسكو كل يوم طوشتان
تتحدى فرمتها لكزتان

دور مندوب جريدة ابن الكلب:
فى مجال الفكر كانت لجنتى
كلهم شمر عن ساعده
 ها هنا يبلغ مترين اللسان
ولديباجته أرخى العنان

وتمضى القصيدة التى كتبها سليمان العيسى لتتحدث عن جو السلم ومواقف مندوبى الدول المختلفة وما أقيم على هامش الندوات من أنشطة ترفيهية والجو الذى تنوولت وجبات الطعام والشراب.
ونعود إلى جريدة الكلب فنختار النماذج التالية مما نشر فى العدد 106 تشرين الثانى سنة 1971 م لنقرأ الركن الأدبى من هذا العدد فنجد فيه موضوعاً عن النقد الأدبى يتناول بالسخرية شعراء تلك المرحلة ممن عنوا بالتنظير أكثر من عنايتهم بالإبداع تقول “الكلب” فى ذلك العدد :
النقد الأدبى : الشعراء
سبحان من بذر المواهب فى الرؤوس من الولادة
ومن النباهة والغباء المحض .. لم يحرم عباده
وأتى الى الشعراء يخلع عنهم صفة البلادة
فرآهم جيلا فجيلا يجنحون إلى الزيادة
مثل الجراد تكاثرا فكأنما تزنى الجرادة
حسب الدياليكتيك أكثرهم أقلهم إجادة
أذكاهم فى غير كسر النحو لم يخدم بلاده
أو فى البذاءة لفظها قد صار فى التجديد عادة
والمفردات لديه من رحم الضياع إلى الوسادة
للفن محراب ولكن حولوه إلى عيادة

ومن العدد 63 الصادر فى 30/6/1965 نختار ما يلى:
شعار العدد:
جريدة شعرية الأغراض
شعارها متانة القوافى
فى الشعر والفن وفى السياسة
 وليس فيها أى سطر فاض
وحفظكم من وصمة الإسفاف
من دونها سوف تضيع الطاسة

المقال الافتتاحى "الامتحان" :
يكرم الإنسان دوما أو يهان
مثل صار قديما حكمة
ليس من أجل التلاميذ فقط
كلهم ينجح فى شئ وفى
طالب يسقط فى الفحص وقد
وفتاة نجحت فى ثوبها
ثم صارت زوجة وامتحنت
وفتاة تبهر العين بها
وإذا حادثتها ألفيتها
ووزير ناجح فى طقمه
وتراه غير ماشٍ حاله
والحكومات لها فحص إذا
بعضها يسقط قومياً، وفى
والتى تسقط ثوريا وفى الـــ
 عندما يأتى أوان الامتحان
لم تزل تروى على مر الزمان
إنما تعنى فلانا وفلان
آخر الأشياء يكبو ويدان
كان فى الشارع أذكى دنجوان
حاسرا تظهر منه الركبتان
فهوت لم تجد فيها الدورتان
قَصَّة الشَّعْر وتخضيب البنان
عقلها فى نصف حجم الكشتبان
فى الاتيكيت وفى الحَكْي كمان
فى شؤون الحكم ، للحكم أوان
أعلنت خطتها ضمن بيان
درس "إسرائيل" فى السقطة شان
ـعدد القادم تحديد المكان

ومن العدد 104 الصادر عام 1970:
شعار العدد:
جريدة بالفعل جد راقية
رفاقها راحوا وظلت باقية
كالريح كانوا وهى مثل الساقية
لأننا نصدرها بالقافية

إعلان رسمى:
شخص هنا أعلن عن نفسه
وأنت قلده وكن مثله
 فصار فى مدة شهر وزيرا
تجد على بابك حالا خفيرا

طلب انتساب
منصور الرحبانى يتقدم بطلب انتساب إلى أسرة "الكلب":
تقدم منصور يريد انتسابه
ونفحص صوت العضو قبل دخوله
 إلى "الكلب" عضوا فى جريدتنا الغرا
فان لم يكن حلو النباح بقى برا

من "ابن الكلب" إلى منصور الحبانى بمناسبة تقاعسه عن أداء واجبه الصحفى بوصفه مراسل الجريدة فى بيروت:
إلى مراسلنا فى أرض لبنان
جريدة "الكلب" فى الفيحاء عاتبة
إنا قبلناك عضوا فى جريدتنا
مجىء "كي" قبل بيروت هنا لغة
منصور لا تتكاسل إن أسرتنا
نباح حضرتكم - نعنى نشاطكم
اكتب لنا، ولتكن شعرا رسائلكم
ابدأ بأخبار أهل الفن إنهم
ما كل من دق طنبورا غدا عَلَماً
للكلب رأى ورأى الكلب محترم
أما البقية فالرحمن يكلؤهم
نور صحيفتك الغراء واحكِ لنا
غدا سيصدر ممتازا لنا عدد
 وعضو أسرتنا منصور رحبانى
على تقاعسه قد مر شهران
لكى ببيروت تغدو صوتها الثانى
سعيد عقل بهذا النسيج أوصانى
بنت الكفاح تعادى كل كسلان
له على الصفحة الأولى عمودان
فكل أنبائنا شعر بأوزان
فى رأينا واحد يسوى أو اثنان
فيه ولا ولا كل نواح بفنان
فى العصر سيد درويش ورحبانى
قد بهدلونا زرافات كوحدان
عن السياسة برانى وجوانى
ولا لزوم لتفصيل وتبيان

لقد توفى صدقي إسماعيل فى يوليو 1972 وبوفاته توقفت جريدته عن الصدور مع أنها بقيت فى الصدور كما يقول الشاعر سليمان العيسى فى تقديمه للمجلد الذى ضم أعدادها والذى أضاف إلى تراثنا الفكاهى ثروة هائلة ما أجدرها بالدراسة والإنصاف.
مراجع المقال:
1- عبد الله أحمد عبد الله ، الصحافة الفكاهية (القاهرة: الهيئة المصرية العام للكتاب، 1983).
2- فوزى عطوى، الفكاهة فى الأدب اللبنانى، مقال منشور بمجلة الهلال (المصرية) عدد أغسطس 1974 ص 33.
3- عبد الرزاق دحنون ، مقال منشور عن جريدة الكلب، فى جريدة الخليج (الاماراتية) العدد 5423 الصادر فى 19 مارس 1994، ص 19.
4- سليمان العيسى ، الديوان الضاحك، بيروت .
5- (فشختان أى خطوتان) وهى كلمة عامية شامية .

أقرأ أيضا:

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب:أيها الإعلاميون ...انتبهوا

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: كيفية تربية الأزواج

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب :تنبيه الرايح والجاي إلى مخاطر شرب الشاي

مساحة إعلانية