مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: أوهام لغوية

2024-09-18 07:21:50 - 
الشاعر الدكتور مصطفي رجب يكتب: أوهام لغوية
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

= يتوهم كثير من الناس أن كلمة " المأتم " تختص بتجمع الناس في مناسبات الموت والعزاء فقط ، ولكن هذه الكلمة عند العرب تعني تجمع النساء حين يجتمعنَ في الخير والشرِّ، بدلالة قول الشاعر:
رَمَتْه أناةٌ من ربيعة عامِرٍ ... نَؤومُ الضُّحى في مأتَمٍ أيّ مأتَمِ
=ويتوهمون فتح الميم من اسم كوكب "المِرّيخ " فينطقونه بفتح الميم. والصواب كسرها.
= ويقولون: مُستَهَلّ الشهر، متوهمين أنها تعني أولِ يومٍ من الشهر.
وذلك غلط، لأن الهلال إنما يُرى في الليل، وإنما يقال بدل هذا : أوّلُ الشّهر أو غُرَّته في اليوم الأول منه .
 وأما إذا قصدوا التعبير عن شيئ حدث ليلا ، فالصواب أن يقولوا: كتبت هذا الخطاب في مُستَهلِّ كذا، أي في ليلة كذا .
= ويقولون للداء المُعترض في البطن: المَغَص، بفتح الغين.
والمَغَص بفتح الغين هو خِيار الإبل، وأما اسم الداء فهو المَغْص، بإسكان الغين، وقد يقال بالسين.
= ويقولون: للبخيل: مُقْرِف. والمُقْرِف الذي أمُّه كريمة وأبوه ليس كذلك.!!
= ويقولون في تسمية المدارس الأولية القديمة : الكُتّاب وجمعه : الكتاتيب. وهذا غلط، لأن الكُتّاب هم الذين يكتبون ، والمأثور عن العرب أن يقال : المَكْتَبُ وجمعه : المكاتِبُ.
= ويتوهون أن كلمة " الأوْباش " بمعنى : السَّفِلة، 
وليس هذا الاستعمال صحيحا .
 إنما الأوباش والأوشاب: الأخلاط من الناس من قبائل شتى، وإن كانوا رءوساً وأفاضل، 
وفي الحديث: وقد وَبّشتْ قريشٌ أوباشاً، أي جمعتْ جُموعاً. ( رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحة وأبو عوانة في مستخرجه.
= ويتوهمون أن كلمة: " الأيِّمُ " ، لا يُقصد بها إلا التي ماتَ عنها زوجُها أوْ طلّقَها. وليس الأمر كذلك في لغة العرب ، 
وإنما الأيِّم هي التي لا زوج لها سواء أكانتْ بِكراً أم ثَيِّباً، قال الله عز وجل: ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ) (النور / 32)لم يردْ بذلك الثَّيِّبات دونَ الأبكار.
= ويقولون إذا أصبحوا: سَهِرنا البارحةَ، وسَرَينا البارحةَ، والاختيار، على ما حكاه ثعلب، أن يقال: من الصبح الى أن تزول الشمس: سَرَينا الليلة، وفيما بعد الزوال الى آخر النهار: سهِرنا البارحة.
 ويتفرّع على هذا أنهم يقولون من انتصاف الليل الى وقت الزوال: صُبِّحتَ بخيرٍ، وكيف أصبحتَ، ويقولون إذا زالت الشمس الى أن ينتصف الليل: مُسّيتَ بخيرٍ، وكيف أمسيتَ،
= ومن ذلك الوهم أنهم يكتبون [ بسم الله ] أينما وقعت بحذف الألف، والألف إنما تُحذف منها، إذا كتبت في أول فواتح السور لكثرة استعماله في كل ما يُبدأ به، وتقدير الكلام: أبدأ باسم الله، فإذا بَرَز ما يُبدأ به وجب إثباتها، كقوله تعالى: (اقْرأْ بِاسْمِ ربِّك الذي خلَق).
= ويقولون: بعثتُ إليه بغلام وأرسلتُ إليه بهدية، فيخطئون. لأن العرب تقول فيما يتصرَّف بنفسه أي العاقل : بعثته وأرسلته، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (المؤمنون / 44)
ويقولون فيما يُحمَل: بعثتُ به وأرسلتُ به، كما قال تعالى: ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) (النمل / 35)
وقد عيبَ على أبي الطيب المتنبي قوله:
فآجرَك الإلهُ على عليلٍ ... بعثتَ الى المسيحِ به طبيبا
ومن تأوَّل له: قال أراد به أن العليل لاستحواذ العلة على جسمه قد عومل معاملة ما لا يتصرف بنفسه.
الحمل على المعنى :
يشيع في العربية حمل اللفظ على المعنى في تذكير المؤنث وتأنيث المذكر، فقد يترك
العربي حكم ظاهر اللفظ ويحمله على معناه كما يقولون: ثلاثة أنفس، والنفس مؤنثة، وإنما حملوه على معنى الإنسان أو معنى الشخص. ومنه قول الشاعر:
ما عندنا إلا ثلاثة أنفس ...مثل النجوم تلألأت في الحندس
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجنى دون ما كنت أتقي ....ثلاث شخوص : كاعبان ومعصر
فحمل ذلك على أنهن نساء.
كما ذكرت الكف وهي مؤنثة في قول الشاعر:
أرى رجلاً منهم أسِيفاً كأنما ..يضم إلى كشحيه كفاً مخضبا
فحمل الكلام على العضو، وهو مذكر. وكما قال الآخر:
يا أيها الراكب المزجي مطيته ...سائل بني أسد ما هذه الصوت
أي: ما هذه الجلبة؟
وقال الآخر:
من الناس إنسانان دَيني عليهما ...مليئان، لو شاآ لقد قضياني
خليلي أما أم عمرو فواحدٌ ...وأما عن الأخرى فلا تسلاني...!!
فحمل المعنى على الإنسان أو على الشخص. وفي القرآن: " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً " ، والسعير مذكر. ثم قال بعدها: " إذا رأتهم من مكان بعيد " ، فحمله على النار فأنثه. وقال جل وعلا : " وأحيينا به بلدة ميتاً " . ولم يقل ميتة لأنه حمله على المكان، وقال جل ثناؤه: " السماء منفطر به " ، فذكر السماء وهي مؤنثة لأنه حمل الكلام على السقف، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء .
. على:
كلمة ( على ) لها في العربية ثلاثة استعمالات : فهي قد تكون اسما ، كقولك جئت من على الجبل ، بمعنى: من فوقه ، وقد تكون فعلا بمعنى ارتفع كما قال تعالى ( إن فرعون علا في الأرض ) وكقولك: علا الغبار أو الدخان ، وقد تكون حرفا مثل قولك: على زيد مال .
وقد تجيء ( على ) بمعنى ( من ) الجارة كما قال الله تعالى في سورة المطففين: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) أي: من الناس، و كذلك تقع بمعنى: (عند ) كقوله تعالى في سورة الشعراء: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ) أي: عندي .
القول في مثل ( صلعم ) :
نشرت جريدة ( المصريون ) مقالا للأديب المتميز الدكتور أيمن الجندي قبل أسبوعين تقريبا وكنت حينذاك في القاهرة وما حولها ، لا طاقة لي بمراجعة الجريدة ، فلما أُبت إلى الصعيد وجدت رسالة على بريدي الألكتروني من قارئ عزيز يلفتني لمراجعة تعليقات القراء على مقال أيمن الجندي ، فوجدتهم يتجادلون حول الترميز والاختزال الذي يُكتب أحيانا عقب ذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مثل ( ص ) أو ( صلعم ) وطلب بعضهم رأيي .
وأرى أن ذلك لا يجوز لأن الله تعالى حرَّم على المؤمنين تبني بعض الأنماط اللغوية لغير المسلمين فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [البقرة / 104] قال القرطبي : في هذه الاية دليلان: أحدهما - على تجنب الالفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض ، والثاني : التمسك بسد الذرائع وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وقد دل على هذا الاصل الكتاب والسنة " تفسير القرطبي - (2 / 57)
والاختصار بتجميع أوائل الحروف من شيم لغة غير المسلمين ككلمة بيبسي pepsiالتي قالوا إنها اختصار لجملة : Pay Every Penz to Save Israel أي : ادفع كل ( مليم ) لتنقذ دولة إسرائيل ، وفي رواية أخرى ( Set up) بدلا من ( save) ، وقد دلل على صحة هذا الاختصار ما بثته شرائط الأخبار خلال اجتياح الصهاينة لغزة من تبرع شركة كوكاكولا للصهاينة ببضع مئات الملايين من الدولارات .
فالرأي عندي عدم اللجوء للاختصار ، أما قولهم ( حوقل ) و( بسمل ) فهذا باب في العربية يُسمى النحت وله معاييره وقواعده التي يعلمها أهل الاختصاص وهي لا تنطبق بحال على كلمة ( صلعم ) . ونعوذ بالله تعالى من الخطأ ، أوالتكلف لما لا نحسن ،والله تعالى أعلى وأعلم
========
جزء من محاضرة لغوية للدكتور مصطفي رجب

مساحة إعلانية