مساحة إعلانية
ملحوظة : التاريخ الذي كتب فيه المقال جزء لا يتجزأ منه "٥_١١-٢٠١٩"
منبر التحرير
التأمت جلسة مقهى السعادة اليومية في موعدها مساء الأربعاء الماضي ، لم يكن لدينا جدول أعمال لتلك الليلة خلافا لعادتنا ، فنحن معتادون على تحديد موضوع الجلسة القادمة قبيل انفضاض جلستنا ، فإذا انفضت جلستنا بعذر مفاجئ ( خناقة مثلا ) أو باكتئاب مشروع ( كانتهاء الجلسة مع انتهاء نشرة أخبار ) أو بحالة من حالات الاطرغشاش والابرغشاش ( عقب سماع قصيدة حداثية ) ، في مثل هذه الحالات التي تنفض فيها جلستنا بعملية قيصرية ، تلجأ إلى جدول الأعمال الاحتياطي الحاضر دائما وهو " تجليات " موهوم " أفندي.
وموهوم أفندي رجل عتل زنيم ، عنجهي هبل ، وحشاش قديم ، من بقايا عصر ما قبل ثورة التصحيح (15مايو 1971) ولذا تجده ينكر الخصخصة إنكارا عظيما ، وتثور ثائرته كلما ورد لفظ ( اللجنة ) على لسان أي متحدث!! .
والليلة عانينا معاناة شديدة ، في غياب جدول أعمال مسبق ، من ارتفاع مستوى " تجلياته الرايقة " عن الحد المسموح به دوليا لأي حشاش محترم يلتزم بمبادئ الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة والمجالس القومية المتخصصة واللجنة الرباعية وتفاهمات دينيس روس . !!
فالذي حدث هو أن أبا الدهب " فقعنا " قصيدة تحدث فيها عن رباط جزمة رآه معروضا في أحد محال وسط البلد بستمائة جنيه ، أما الجزمة نفسها فبثلاثة آلاف من الجنيهات ،
فتنهد بطيخ في أثناء إلقاء القصيدة ،
ثم أتبع التنهيدة بحالة من الزغطة ، فانفشاخ الفم ورقص ماجن للعينين ، ثم لم تلبث حالته أن تطورت إلى نوبة بكاء هستيري جمع إلى جلستنا نفرين فضوليين من أنفار الجلسة المجاورة ، وهم تجار آثار وعملة ، يجاوروننا من أيام ابراهيم سعدة ، وسمير رجب و(الحاجات دي) . لكننا لا نتعامل معهم !! .
ولم نفلح جميعا في معرفة ما إذا كان بكاء بطيخ وزغطته وليد القصيدة ، أم وليد أكلة عصيدة ، أم لأسباب أخرى لا نعرفها ، غير أن " موهوما" نط فجأة من كرسيه نطة مصارع معتزل فأودى بشيشتين وثلاثة أكواب من الحلبة الحصى ، وقال في عنتريته التقليدية :
" أريد أن أفهم !!"
وهذه العبارة - وحدها - على وجازتها تمثل لنا كارثة حقيقية ،وخطبا جسيما ، حين " ينثرها " موهوم أفندي " فإفهام مثل هذا الكائن الحي يمد جلستنا في بعض الليالي إلى الخامسة صباحا ثم نقوم وهو ( يادوبك ) بدأ يتماثل للفهم !! !!
- - ماذا تريد – لا مؤاخذة – أن تفهم يا موهوم أفندي ؟
- - كيف يكون ثمن الرباط 600جنيها؟
- وما الغريب في هذا ؟
- - لمن يعرضون مثل هذه الأسعار ؟ أنا مدرس أول ثانوي من أيام حملة فريزر ، وراتبي لا يتجاوز 222جنيه ، وعندي سبعة صبيان وبنت كالقمر ، تأكل ستة أرغفة في الطقة الواحدة ، ولها شعر مثل سلك المواعين يختلس علاجه الشهري ثلث الراتب . ومقاس قدمها 49
- وهل طلبت منك رباطا أو جزمة ؟
- - ومن يضمن لي ألا تطلب ؟ لقد طلقت أمها في ظروف قاسية حين طلبت مني شراء كرنبة ونحن خارجون من مؤتمر مدريد وداخلون على اتفاقات أوسلو ، ولم أفلح في إفهامها أن الموقف الدولي لا يسمح.
كان موهوم يلهث وهو يتحدث بنفس سرعة حديث صائب عريقات ، ومن حين لآخر يشد " نفسا " من شيشته بتركيز من يحاول تذكر أسماء جميع ضحايا الحرب العالمية الثانية . وفيما نحن مشدودون إلى قضيته ، انجعص للخلف فجأة وألقى مقبض الشيشة على حِجْر عباس أفندي ، وترددت على شفتيه ملامح ابتسامة موءودة ، وهو يقول :
- أظن ياجماعة أن الوقت قد حان لكي تعرفوا سر بكاء بطيخ أفندي ، فالحقيقة أنه يعاني من حالة احتقان حادة في مراوح نافوخه نجمت غالبا من متابعته لموضوع الجودة والاعتماد فالأخ بطيخ لا يشجع – بطبيعته – هذه المياصة الفكرية .
وقد أكد مرارا وتكرارا أن زواج جودة من اعتماد باطل !!! ، وأن ما يجري في مدارسنا وجامعاتنا ، ليس الهدف منه تحقيق جودة حقيقية من أجل الحصول على اعتماد دولي ، بقدر ما هو حيلة للتخلص من عبء تمويل التعليم ودعم المجانية ، وبيع المدارس التي لا تحقق الجودة لمن يدفع أكثر ، وبيعا فبيعا يتبقى للحكومة بضع مئات من المدارس ذات الجودة هي التي تتمتع بالتمويل الحكومي لكي تظل الحكومة متظاهرة بأنها لم تلغ المجانية ، ولكنها – اسم النبي حارسها – رشَّدتها فقط مجرد ترشيد .
فاهمني يا حسبن ؟ -- .