مساحة إعلانية
كتب / صابر جمعة سكر
في وقتٍ تتزايد فيه التحديات العالمية في ملف الغذاء، أعلنت مصر عن قفزة ملحوظة في إنتاج السكر، أحد أهم السلع الاستراتيجية في السوق المحلية. ومع بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتي 81%، تروج التصريحات الرسمية لفكرة الانفراجة القريبة، غير أن الشارع لا يزال ينتظر أثرًا مباشرًا على الأسعار.
بحسب تقرير حديث صادِر عن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من السكر إلى 81% مع نهاية الربع الأول من عام 2025، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 100% مع مطلع عام 2026، في حال استمرار نفس معدلات النمو الإنتاجي.
بلغ حجم الإنتاج المحلي خلال هذا العام 2.6 مليون طن مقارنة بـ2.3 مليون طن فقط قبل عقد من الزمان، مع توقعات بزيادة الإنتاج إلى 2.9 مليون طن العام المقبل، وهي كمية تُغطي كامل الاحتياجات المحلية.
وقال الدكتور وائل بركات، أستاذ النظم السياسية والاقتصادية، إن هذه الأرقام تشير إلى نجاح فعلي في تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، معتبرًا أن ما تحقق يُمثّل نقطة تحول في مسار الأمن الغذائي المصري، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن قيمة الإنجاز تقاس بمدى انعكاسه على الأسعار وثقة المستهلك.
النجاح المُعلن لم يأتِ صدفة، بل نتاج استراتيجية وطنية واضحة ركزت على التوسّع الزراعي وزيادة الإنتاجية. فقد زادت المساحات المزروعة ببنجر السكر بنسبة 25%، لتصل إلى 750 ألف فدان، كما ارتفعت إنتاجية البنجر من 1.5 مليون طن إلى 2.5 مليون طن متوقعة خلال موسم 2025.
وترافق ذلك مع تراجع حاد في الواردات، حيث انخفضت بنسبة 54.5% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ما أدى إلى خفض فاتورة استيراد السكر الخام من 244.4 مليون دولار إلى 111.1 مليون دولار، إلى جانب توفر أرصدة استراتيجية تكفي الاستهلاك المحلي لمدة 13 شهرًا.
وأوضح الدكتور وائل بركات أن هذا التحول يُعد أحد الإنجازات الاقتصادية الأهم خلال السنوات الأخيرة، لما له من تأثير مباشر على الميزان التجاري، وتقليص الاعتماد على الخارج، وتعزيز الاستقرار في سلعة حيوية ترتبط بالأمن القومي الغذائي.
رغم الإنجازات التي تكشف عنها المؤشرات الرسمية، فإن المواطن البسيط لا يزال يشعر بأن الأزمة في جيبه قائمة. فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلًا واسعًا مع هذه التصريحات، لكن أغلب الردود اتسمت بالتشكيك أو الحذر، حيث تساءل كثيرون:
"إذا كنا ننتج كفايتنا، لماذا لم ينخفض السعر؟"
"هل هذا يعني أن السكر سيرتفع من جديد؟"
"البيانات ممتازة، لكن أين تأثيرها في السوق؟"
ويكشف هذا التفاعل عن فجوة لا تزال قائمة بين النجاح الرقمي والأثر الاجتماعي، وهو ما يدعو إلى مراجعة آليات التسعير والرقابة وتوزيع السلع الاستراتيجية.
بالتوازي مع النقاش الشعبي حول السكر، برزت دعوات تدعو إلى توسيع نطاق الاكتفاء الذاتي ليشمل قطاعات أخرى، أهمها القمح والدواء والصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى إصلاح منظومة البحث العلمي واستعادة الكفاءات المصرية من الخارج.
وجاء في رسالة مفتوحة تداولها البعض عبر المنصات الاجتماعية:
"نريد أن يُسند الأمر لأهل الخبرة، لا أهل الولاء... نريد اكتفاءً في الغذاء، وتوطينًا للتكنولوجيا، وميزانية محترمة للعلم والبحث...
هذا ليس ترفًا اقتصاديًا، بل أمن قومي حقيقي... في عالم تحكمه المصالح والقوة."
لا شك أن ما تحقق في ملف السكر هو خطوة مهمة نحو السيادة الغذائية، ويمنح الدولة هامش أمان في مواجهة التقلبات الدولية.
لكن يبقى التحدي الحقيقي في ترجمة هذا النجاح إلى تحسين فعلي في حياة الناس. فالمعادلة لا تكتمل بالأرقام وحدها، بل حين يشعر المواطن أن السلعة التي كانت تهدد استقراره، أصبحت الآن متاحة بسعر عادل وجودة مستقرة.
هل يكفي أن ننتج؟ أم أن النجاح يبدأ فقط حين يشعر به المواطن؟