مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الإرادة الوطنية.. المعجزة التي لا يراها العالم بقلم زكريا شحاته

2025-08-17 12:49:10 - 
الإرادة الوطنية.. المعجزة التي لا يراها العالم بقلم زكريا شحاته
شحاتة زكريا
منبر

في حياة الأمم لحظات فارقة لا تحددها الأرقام ولا تختصرها المؤشرات الاقتصادية بل تصنعها روح جماعية تُضيء الطريق مهما كان الظلام كثيفا. تلك الروح هي "الإرادة الوطنية" القوة التي لا تُقاس بالعتاد ولا تُشترى بالمال لكنها تصنع المعجزات وتُحوّل الحلم إلى واقع.

العالم قد يتحدث كثيرا عن الأزمات التي تمر بها الشعوب عن نقص الموارد أو قسوة الظروف لكنه يغفل دائما عن العنصر الأهم: شعوب تؤمن بنفسها وتصر على المضيّ إلى الأمام. هذه الإرادة لا تُرى في نشرات الأخبار لكنها تُترجم في عرق العامل الذي ينهض قبل الشمس ليبني وفي قلب الأم التي تُعلّم أبناءها أن حب الوطن عبادة وفي عيون الشباب الذين يصرّون على البقاء هنا ليصنعوا المستقبل بدلا من البحث عنه في مكان آخر.

إن ما يميز الإرادة الوطنية أنها لا تعترف بالمستحيل. فإذا ضاق الأفق صنعت طريقا جديدا. وإذا أُغلقت الأبواب فتحت أبوابا من العزيمة والعمل. وإذا حاول الآخرون أن يحاصروا الأوطان باليأس ردّت الشعوب بأمل مضاعف وإصرار متجدد. وهذا بالضبط ما يجعلها معجزة: لأنها تُحوّل الألم إلى قوة والتحدي إلى فرصة.

انظر إلى مصر مثلا كيف واجهت تحديات اقتصادية وإرهابية وسياسية على مدار العقد الماضي. لم يكن من السهل أن تصمد دولة في قلب عاصفة إقليمية بهذا الحجم لكن ما حدث لم يكن مجرد قرارات حكومية أو خطط تنموية بل كان نتاج إرادة وطنية جامعة. شعب قرر أن يتماسك أن يضع يده في يد دولته ، وأن يحوّل الخوف إلى طاقة بناء. والنتيجة أن ما بدا للبعض مستحيلا صار واقعا: طرق وجسور جديدة، مشروعات عملاقة، ومدن حديثة، وأمل يتجدد مع كل إنجاز.

العالم قد يرى المشروعات على الأرض لكنه لا يرى ما هو أعمق: إيمان الناس بأن بلدهم يستحق الأفضل وأن الغد يمكن أن يكون أجمل. هذه الروح هي ما يجعل طفلا يرفع علمه بفخر في طابور المدرسة ، ويجعل شابا يحلم بأن يكون جزءا من صناعة النهضة ويجعل العامل يبتسم رغم المشقة لأنه يعرف أن جهده يُبنى به وطن.

والإرادة الوطنية لا تعني فقط القدرة على الصمود بل القدرة على الإبداع والتجدد. أمة تمتلك هذه الروح لا تكتفي بأن تعيش بل تسعى لأن تترك بصمة أن تُضيف للحضارة الإنسانية أن تفتح أبواب العلم والمعرفة وأن تُقدّم نموذجا يُلهم غيرها.

المفارقة أن العالم كثيرا ما ينشغل بالقوة العسكرية أو بالنفوذ السياسي لكنه يغفل أن الشعوب التي تنهض من قلب الأزمات والتي تُحوّل الضعف إلى مصدر قوة ، هي الشعوب التي تكتب التاريخ بالفعل. ولهذا فإن الإرادة الوطنية ستظل هي السرّ الذي لا يراه الآخرون ، لكنه يضيء لنا نحن الطريق.

إنها معجزة إنسانية تُثبت أن الإيمان بالوطن والثقة في المستقبل والعمل الصادق أقوى من كل الصعاب. ومن يتأمل مسيرة الشعوب الحية سيدرك أن الأوطان لا تبنى بالمعجزات السماوية وحدها بل بمعجزة أخرى أجمل: معجزة الإنسان حين يؤمن بوطنه ويُقرر أن يكون جزءًا من قصته.

ولذلك فإن أعظم ما يمكن أن نقدمه اليوم لأنفسنا ولأجيالنا القادمة هو أن نحافظ على هذه الروح وأن نغذيها بالوعي وأن نزرع في كل طفل وشاب وأم وأب قناعة راسخة بأن مصر – وكل وطن حي – أكبر من الأزمات وأقوى من التحديات وأجمل من أن تُختصر في أزمة عابرة.

الإرادة الوطنية ليست سرًّا غامضا إنها ببساطة أن نحب وطننا بصدق وأن نعمل له بإخلاص ، وأن نؤمن أنه قادر دائما على النهوض. وهذه المعجزة التي لا يراها العالم اليوم سيُدهش بها غدا حين يرى أن الشعوب التي آمنت بنفسها لا تُهزم أبدًا.

مساحة إعلانية