مساحة إعلانية
مطلوب دراسة عيوب التطبيق في بورسعيد ما بين مؤيدين اعترضوا علي البطء في التعميم ومعارضين متخوفين من خصخصة المستشفيات الحكومية
هل يمكن الحكم علي تجربة لم تغط إلا ٢٪ فقط من المواطنين؟
وهل يتحمل جميع المرضي النسبة المقررة حتي لو كانت ٥٪ فقط؟
مثلما ينتظر المواطنين تطبيق نظام الكارت الذكي الموحد للحصول علي السلع التموينية وغيرها من الخدمات الحكومية وأبرزها خدمات التأمين الصحي الشامل، فهم ينتظرون أيضاً تطبيق هذا النظام التأميني الصحي نفسه علي باقي محافظات مصر، خاصةً وأن وزارة الصحة فاجئت الجميع بأن الجدول الزمني لتعميم التجربة سوف يمتد إلي ٢٠٣٢، وبذلك حتي لو حصل المواطن في المحافظات التي لم يطبق فيها نظام التأمين الصحي علي الكارت الذكي لكنه لن يستفيد منه إلا في صرف السلع التموينية المدعمة فقط، أي أنه سيكون مجرد شكل جديد لبطاقة التموين الحالية خاصةً وأن إدخال إمكانية سداد المدفوعات الحكومية عن طريق هذا الكارت هي أيضا خدمة سوف تضاف لاحقاً ولم تحدد الحكومة موعد تطبيقها، كما لم تحدد تاريخ حصول المواطنين علي الكارت الذكي نفسه.
وحتي نكون جاهزين علينا أن ندرس الأخطاء والسلبيات التي ظهرت عند تطبيق التجربة في مرحلتها الأولي في محافظة بورسعيد، بهدف إصدار كارت ذكي بالفعل وليس مجرد إحلال النظام الرقمي محل الورقي بنفس السلبيات أو بسلبيات جديدة، علماً بأن بعض رافضي الفكرة اتفقوا لأول مرة مع مؤيديها حيث يري الرافضون أنه لا يمكن الحكم علي تجربة لم تطبق إلا علي ٢٪ فقط من إجمالي عدد السكان، فيما يتعجل المؤيدون توسيعها ويعيبون علي الدولة بطء تعميمها حتي ينعموا بالخدمات التي نالها أهالي المحافظات المحظوظة.
ومن واقع تطبيق التجربة يري من يعارضها أنها بالفعل تعفي المريض من مصاريف العلاج بل والدواء ولكنها تلزمه بدفع نسبة تتراوح بين ٥ إلي ١٠٪، وهي نسبة قد تبدو بسيطة ظاهرياً ولكن مع ارتفاع تكلفة العلاج قد لا يتحملها بعض المواطنين خاصةً محدودي الدخل، وترد الحكومة علي هذه الجزئية بأنها تعفي غير القادرين من تحمل أي مبالغ بل وتعفيهم من سداد الاشتراكات، ولكن تبرز مشكلة وصول الدعم إلي مستحقيه لأنه معايير تحديد من هم غير القادرين ليست واضحة بشكل كاف، ولنا في تجربة الزيادات الرمضانية التي اضيفت علي بطاقة التموين دليل دامغ حيث حصلت بعض الأسر علي زيادة السلع التموينية رغم أنها أسر متوسطة الحال ولم يحصل عليها آخرون من معدومي العائل.
وفي هذا السياق يصبح من الأهمية وضع معايير دقيقة لمن يستحق الإعفاء، علما بأن الدولة بالفعل تعفي مرضي الأورام والأمراض المزمنة من المساهمة، ولكن عدم التزام رب الأسرة أو عائلها بسداد الاشتراك يساوي حرمان باقي الأسرة من خدمات التأمين الصحي بما في ذلك الأطفال، الذين لا يستطيع أحدهم إلزام الأب أو الأم بسداد أي مصروفات بما فيها مصروفات الدراسة ذاتها.
وعلي خلفية ذلك تعود مخاوف ومصطلحات ترددت منذ بدأ الإعلان عن الفكرة حتي قبل أن تطبق في أي محافظة، تلك المخاوف تتعلق بما يسمي خصخصة القطاع الصحي وتحويل مستشفيات الغلابة الحكومية إلي قطاع يهدف للربح، وهو ما لا يحدث في أعتي الدول الرأسمالية، ناهيك عن تصاعد أعداد المواطنين الواقعين تحت خط الفقر في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية والمحلية وارتفاع معدلات التضخم والغلاء وبالتالي ارتفاع نسب الفقر والبطالة في المجتمع من ناحية وزيادة أعداد المصابين بالأمراض الخطيرة وأبرزها فقر الدم وسوء التغذية كنتيجة طبيعية لهذه العوامل.
و بعيدا عن المؤيدين والمعارضين للفكرة ولأنها مثل أي عمل بشري قابلة للنقد كأساس للإصلاح والتطوير يتعين علي الجهات المعنية أن تعيد التحاور مع المواطنين لتعرف منهم بشكل مباشر حقيقة مواجهتهم مشكلات وعقبات في التعامل مع هذا النظام، ثم عرض هذه الشكاوي علي الخبراء المتخصصين ليس في القطاع الصحي ولكن في مجالات الحماية الاجتماعية والمجتمع المدني وخدمات دعم غير القادرين والفئات الفقيرة والمهمشة وهل أضيفت أسر جديدة إلي طبقة الأكثر احتياجا والأقل دخلا في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الحالية، خاصةً مع ارتفاع نسب الطلاق التي تزيد من أعداد النساء المعيلات وغير القادرات، حتي لا تضاف لهم معاناة جديدة تتمثل في عجز الأم عن إلزام الأب بسداد الاشتراكات للتأمين الصحي علي أطفاله وهو الذي يتهرب من دفع نفقة إطعام وتعليم وسكن هؤلاء الأطفال من الأساس.