مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

وأد البنات ما بين الجاهلية والعصر الحديث ... بقلم د/ شيرين جودة نصر

2024-09-01 04:22:56 - 
وأد البنات ما بين الجاهلية والعصر الحديث ... بقلم د/  شيرين جودة نصر
د/ شيرين جودة نصر

تُعد عادة وأد البنات من الممارسات الاجتماعية المظلمة في العصر الجاهلي في جزيرة العرب والتى يقوم فيها الأباء بدفن بناتهم الأحياء في التراب، وهي عادة تعكس ثقافة ومعتقدات المجتمع الجاهلي تجاه الأنثى فى ذلك الوقت.
كانت القبائل في العصر الجاهلي تعتمد بشكل رئيسي على القوة البدنية والقدرة على القتال كمؤشرات على القوة والهيبة في القبيلة فكانت الذكور تُعتبر أكثر قيمة من الإناث فى هذا الصدد حيث كان يُنظر إليهم على أنهم القوة العسكرية المستقبلية التي ستدافع عن القبيلة بالإضافة إلى ذلك كانت البنات تُعتبر عبئًا اقتصاديًا بسبب تكاليف تربية الفتاة وإعدادها للزواج وهو ما كان يُفهم على أنه عبء يثقل كاهل الأسرة.
كذلك كانت عادة وأد البنات تعبيرًا عن المعتقدات الثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت فقد كان هناك اعتقاد خاطئ بأن إنجاب البنات يجلب العار والعيب للعائلة ويُنظر إلى البنات كعائق في سبيل النماء والتقدم كما كان هناك اعتقادات خرافية تدور حول البنت كونها تجلب الشؤم وتسبب الفقر والضعف.
 وجاء الإسلام ليضع حدًا لهذه الممارسات الوحشية ، فقد نهى الإسلام عن وأد البنات ، وحرّمها بشكل قاطع لأنها تُعد من الكبائر لكونها قتل للنفس. ففي القرآن الكريم  تُنكر هذه الممارسة بشكل صريح، حيث قال الله تعالى في سورة التكوير: "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (سورة التكوير، الآية 8-9). هذه الآية تعبر عن استنكار شديد لممارسة وأد البنات وتضعها في إطار من الإدانة والرفض.
كذلك فقد ساهم الإسلام في تغيير الموقف الاجتماعي تجاه النساء بشكل عام، حيث رفع من مكانة المرأة وأعطاها حقوقًا لم تكن تُمنح لها في العصر الجاهلي  فبعد ظهور الإسلام ، بدأ المجتمع الإسلامي في تبني نظرة أكثر احترامًا للمرأة ، وأصبح الحفاظ على حقوق البنات وتعليمهن من المبادئ الأساسية التي دعت إليها الشريعة الإسلامية.
والان ونحن فى القرن الواحد والعشرين نرى أن هناك نوعاً آخر من وأد البنات وذلك بدفنهن أحياء ولكن ليس فى التراب هذه المرة بل فى بيت الزوجية حيث رأينا فى الآونة الآخيرة ومازلنا نرى الكثير من المشاكل التى تحدث بين الأزواج والزوجات ويظهر فيها العنف ضد الزوجة سواء بالضرب و الإهانة أو بإجبارها على ترك عملها أو أخذ أموالها أو أجبارها على العمل لأن الزوج لا يعمل ويعيش عالة على دخلها بالإضافة الى المشاكل مع أهل الزوج وفى كثير من هذه المشاكل يحدث ضرر نفسى وأحياناً بدنى شديد لهذه الزوجة مما يضطرها الى العودة الى بيت اسرتها التى من المفترض أنها السند والملاذ الذى تلجأ اليه لتفاجأ أن اسرتها لا ترغب بعودتها اليهم مرة أخرى ويجبرونها على العودة الى هذا الزوج الظالم وهذا الجحيم المستعر كل هذا حتى لا تحصل على لقب مطلقة والذى ترتعد أوصالهم اذا ما فكروا أن ابنتهم ستكون على هذا النحو يوماً ماً لتصبح حينئذ كالمستجير من الرمضاء بالنار وهذا فى نظرى "الوأد الحقيقى".
والحقيقة هناك عدة اعتبارات أدت الى دفع الأسر لتزويج بناتهن من رجال غير مناسبين لهن منها:
1. العادات التقليدية: ففي بعض المجتمعات يُعتبر تزويج البنات إلى رجال حتى وان كانوا غير مناسبين وسيلة للتخلص من العبء المالي أو الاجتماعي الذي يُشكلنه وقد يكون الدافع وراء ذلك هو التمسك بعادات تقليدية لا تضع في اعتبارها مصلحة الفتاة.
2. الضغوط الاقتصادية: فقد تواجه بعض الأسر ضغوطًا مالية تجعلها تُفضّل تزويج بناتها بسرعة حتى تتخلص من عبء نفقاتهن وفي بعض الأحيان يُنظر إلى الزواج كوسيلة لتحسين الوضع الاقتصادي للأسرة من خلال الحصول على مهر أو منافع أخرى.
3. الاعتبارات الاجتماعية:  يمكن أن تكون هناك دوافع اجتماعية تدفع الأسر إلى تزويج بناتها إلى رجال غير مناسبين، مثل الحفاظ على سمعة العائلة أو تقوية الروابط مع عائلات أخرى، دون الأخذ بعين الاعتبار ملاءمة الزوج للفتاة.
4. جهل الحقوق:  في بعض الأحيان يكون جهل الفتيات وذويهن بحقوقهن واحتياجاتهن سببًا في تزويجهن إلى رجال لا يتناسبون معهن مما يؤدي إلى مشكلات مستقبلية في العلاقة الزوجية.

كل هذه الاعتبارات تؤثر بشكل كبير على حياة الفتيات النفسية والاجتماعية فى نواحى متعددة مثل:
1. الضغوط النفسية: قد تعاني الفتيات من ضغوط نفسية شديدة نتيجة الزواج من أشخاص غير مناسبين، مما قد يؤدي إلى مشاعر القلق والاكتئاب  كذلك عدم التوافق بين الزوجين يمكن أن يخلق بيئة غير مريحة وغير داعمة  مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للفتيات.
2. فقدان الثقة بالنفس: عندما تُجبر الفتيات على قبول الزواج من أشخاص لا يرغبن فيهم قد يشعرن بفقدان الثقة في قدراتهن وقدرتهن على اتخاذ قرارات حياتهن وهذا يمكن أن يؤثر سلبًا على تقدير الذات ويؤدي إلى مشاعر العزلة وعدم القيمة.
3. التحديات في العلاقات الزوجية: الزواج من شخص غير مناسب يمكن أن يؤدي إلى صعوبات كبيرة في العلاقة الزوجية بما في ذلك عدم التفاهم والصراعات المستمرة مما يخلق بيئة غير مستقرة تؤثر على حياة الفتاة بشكل عام.
لذلك ينبغى على الأسرة التى تريد تزويج ابنتها أن تهتم أولاً بالسؤال عمن يرغب فى الزواج من ابنتهم ومراقبة أخلاقه وسلوكه وذلك فى فترة الخطوبة والتى يعتقد الكثيرون أنها فقط فترة لتجهيز بيت الزوجية ولكنها ليست كذلك على الاطلاق بل هى فترة للتعارف والتآلف بين الرجل والفتاة التى سيتزوجها وللتقارب والتفاهم بين العائلتين فعلى الأسرة أن تهتم جداً بهذه الفترة فلا تجعلها قصيرة جداً ولا طويلة أكثر من اللازم والمهم الاطمئنان الى من سيتزوج ابنتهم وهل هو قادر على الحفاظ عليها وحمايتها أم لا ولا يتعاملون معه بمبدأ ضل راجل أو زوج والسلام ، فى نفس الوقت لا ينبغى ان تتعامل الأسرة مع ابنتها عند زواجها على سبيل البضاعة المباعة لا تسترد فهى ليست بضاعة للبيع بل يجب على الأسرة أن تحتوى ابنتها وأن تكون لها مصدراً للطمأنينة وتشعرها بأنها ستكون سنداً لها عند حدوث اى مشكلة تقف فى سبيل سعادتها.

مساحة إعلانية