مساحة إعلانية
أدرك ألدوس هكسلي أن التطور التكنولوجي في وسائل النقل والاتصالات، التي شهدت ثورة كبيرة في بداية القرن العشرين، وخاصة مع توفرها للعامة نتيجة ابتكارات هنري فورد في عالم السيارات، بالإضافة إلي ظهور مدرسة التحليل النفسي لسيجموند فرويد ونظرياته حول التحكم في السلوك الإنساني، سيشكلان حجر الزاوية في تحول المجتمع إلي ديستوبيا غير أخلاقية. رسم هكسلي ملامح هذه الديستوبيا في روايته “عالم جديد شجاع”، التي نُشرت لأول مرة في عام 1932م. تخيل فيها أن تاريخ العالم قد انقسم إلي ما قبل فورد وما بعده، وكأن التكنولوجيا ستكون الدين الجديد الذي يتحكم في مصائر الناس.
صور هكسلي في تلك الرواية مجتمعًا مستقبليًا تتحكم فيه التكنولوجيا وعلم النفس في تشكيل الإنسانية بشكل كامل، حيث تدور أحداث الرواية في لندن خلال القرن السادس والعشرين. يتم إعادة بناء المجتمع بواسطة نظام دقيق يعتمد علي التكنولوجيات المتقدمة في علم الأحياء، حيث يتم إنتاج نماذج متشابهة من البشر عبر عمليات علمية بيولوجية متطورة ومعقدة بدلاً من التكاثر الطبيعي، تُسمي “عملية بوكانوفسكي”، وهو ما يشبه عمليات الاستنساخ التي ظهرت لاحقًا ثم يتم تكييفهم نفسيًا وجسديًا منذ الولادة ليؤدوا أدوارًا محددة في المجتمع عبر نظريات فرويد عن التعلم الشرطي.
في هذا المجتمع الديستوبي، يتم تقسيم المجتمع إلي طبقات صارمة، ولكل طبقة وظائف محددة، ويتم الحفاظ علي النظام والاستقرار عبر استخدام مادة مخدرة تُدعي “سوما” تزيل مشاعر القلق والحزن، مما يجعل الفرد أسيرًا لهذا النظام لحاجته المستمرة لهذا المخدر.
نكمل العدد القادم لندرك كيف انعكست تلك الرواية علي واقعنا المعاصر الذي يتم برمجة الإنسان فيه ليؤدي أدوارًا محددة سلفا وكأنه ترس في آلة يفقد فيها إنسانيته ليتحول المجتمع لديستوبيا تحترق فيها كل المعاني الجميلة.