مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الأدب العربي في دائرة النيران -4-)

2025-05-07 16:21:20 - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الأدب العربي في دائرة النيران -4-)
ناصر كمال -كاتب

أما في لبنان، حيث عايش الأدب اللبناني الحروب الأهلية بشكل مباشر، فقد استطاع الأدباء أن يخلقوا أعمالًا أدبية تعكس تأثير الحرب الأهلية في لبنان علي حياة الناس ورؤيتهم للواقع والسياسة. في رواية “حارث المياه” لهدي بركات، تظهر الشخصيات التي تعيش تحت وطأة الحرب في لبنان، وتحاول إيجاد مكان لها في هذا الواقع الممزق، من خلال شخصية بائع قماش يجد نفسه محاصرا داخل أزقة المدينة، فيأخذنا في رحلة تتنقل عبر الماضي والحاضر. وتقدم لنا الكاتبة في تلك الرواية قدرة الإنسان علي التأقلم مع أجواء الحرب مع أمله انها في يوم ما ستنتهي. فيرسم هذا المعني عبر المشاهد والكلمات فيقول:” إلا أني ما أزال، حين يقوي دوي الانفجارات وتملأ سماء الأسواق الشهب النارية رواحاً ومجيئاً فوق رأسي ومن حولي، أفضل النزول إلي بيتي مع حلول المساء... فما زالت هذه الأصوات تزعجني ولو أنها ما عادت تخيفني بالمرة.” كما تنقل لنا كيف تمزق الحرب أبناء البيت الواحد حين يتبني البعض الفكر اليساري علي سبيل المثال بينما يذهب البعض الآخر نحو طائفته ومذهبه الديني، وفي كلا الأحوال تختفي لغة الحوار ليحل محلها صوت الرصاص والتفجير والموت.
استطاع الأدب السوداني أن يعكس معاناة شعبه في ظل الحروب الأهلية المستمرة في البلاد. تعد رواية “رماد الماء” لعبد العزيز بركة ساكن من الأعمال التي تركز علي الآثار النفسية والاجتماعية للحروب في السودان، حيث تبرز الألم الناتج عن الصراع المستمر بين الأعراق المختلفة والطبقات المتنوعة، التي يُفترض أن تكون عنصر قوة، فإذا بها تصبح نقطة صراع. يصور لنا الكاتب، بلغة شاعرية عذبة ورقيقة ورومانسية، المشاهد المؤلمة للحروب، مستهلًا الرواية بترتيل إنشادي مؤثر: “ هذه الشجيرات الهشة لا وجود لأشباح هياكلها؛ لأن النيران التهمتها تماما، النيران التي يطفئها المطر ثم تشعلها قذائف الراجمات، قنابل الأنتينوف البرميلية والشحنات النووية الصغيرة محدودة الأثر التي تمت صناعتها لتفعيل الحروب التقليدية في رقعة من الأرض محدودة عشرة أعوام علي التوالي، الأرض سوداء ليس نتيجة خصوبة أو أن الله خلق لها طينًا في بشرة الإنسان، لكن لأنها محترقة أيضًا تتناثر عليها بين مكان وآخر شظايا المقذوفات المدفعية الهاون /الراجمات / الدوشكا / م. د.”
هذه الأعمال الأدبية التي نشأت في ظل الصراعات المسلحة تبرز الصمود الثقافي للكتاب والشعوب العربية في مواجهة الدمار. علي الرغم من الظروف القاسية، يظهر الأدب العربي قدرة مذهلة علي التكيف مع هذه التحديات، حيث أصبح أداة توثيقية ووسيلة للتعبير عن معاناة الأفراد والمجتمعات. وقد ساهم الأدب في إحياء الذاكرة الجماعية للأمم، ليظل شاهدًا علي معاناتهم وأملهم في الخلاص من دائرة العنف والصراع المستمر.

مساحة إعلانية