مساحة إعلانية
لا يمكن للذاكرة أن تبتعد عن أصوات رمضان التي تملأ أرجاء الشهر الفضيل. هي أصوات تعيدنا إلي أماكن بعيدة من الماضي. تمنحنا شعوراً عميقًا وكأننا نعيش اللحظة بكل تفاصيلها. من بين كل هذه الأصوات يأتي صوت الشيخ محمد رفعت ليقلب الموازين. هذا الصوت الذي لا يُقارن الصوت الذي يُزلزل القلوب ويملأ المسامع يُحاكي روح رمضان نفسها. حين تخرج آيات القرآن من فمه كأنك تُسافر عبر الزمن إلي عالمٍ آخر حيث لا توجد مساحة سوي للسكينة والخشوع
ثم هناك تواشيح النقشبندي تلك الأنغام التي تخترق جدار الزمن لتصل إلي أعماقنا. كلماته وهو يقول “يقول أمتي..يا رب أمتي”
تمسك بك وتعيدك إلي واقع مختلف.
لكن لنكن واقعيين رمضان في حقيقته هو في التفاصيل الصغيرة التي تشعر بها في أعماقك. في طفولتي كان صوت المطبخ هو الصوت الذي لا يمكن أن يغيب. كان صوت القلي والتقلية في المطبخ هو بمثابة تحية غير مرئية لأمي التي كانت تُقاتل من أجلنا في تلك الجبهة التي لا تهدأ. ومع أنها كانت مسؤولة عن تربية ثلاثة أولاد دون مساعدة من بنات إلا أن هذا لم يوقفها عن تقديم كل ما لديها من حب وطاقة
وعندما يأتي وقت الإفطار كان المدفع هو اللحظة الحاسمة. كنا نحن الأربعة أبي وانا واخوتي في انتظار تلك اللحظة التي كان المدفع يعلن فيها ان “الوقت قد حان”. كنا ننتظر بفارغ الصبر سماع كلمة “مدفع الإفطار اضرب” وكأنها المفتاح الذي يفتح لنا أبواب الراحة بعد يوم طويل من الصيام.
وبدافع من المزاح والفرح كنا ننقضّ علي الأرض ونستلقِي علي ظهورنا فور سماع دوي المدفع كأننا نحتفل بنهاية فترة الانتظار الطويلة. كانت تلك الحركة العفوية تعبيراً عن الراحة بعد صيام يوم كامل وكأننا ننفجر فرحاً بعد فترة من الترقب الشديد. كانت تلك اللحظة تملأ المنزل بالضحك والبهجة لحظة تجسد روح رمضان في أبهي صورها
رمضان إذاً ليس مجرد أيام تمر علينا بل هو لحظات حية تُكتب في الذاكرة بأحرف من نور. هو الأصوات التي لا تتوقف وصور لا تفارق العين. من الشيخ رفعت إلي التواشيح إلي امي التي تكافح في المطبخ وصولاً إلي المدفع الذي يعلن وقت الفرح. كل هذه الأصوات تشكل ذاكرة قوية ذاكرة تضج بالقوة والإصرار وتجعل رمضان تجربة حية تكتمل في كل لحظة