مساحة إعلانية
فجرًا، وفي صمتٍ ثقيل كسكون الأعماق، خرجت ست قنابل خارقة للتحصينات من قلب المحيط، أطلقتها غواصات أمريكية رابضة في قاع البحار. ومعها، انطلقت ثلاثون صاروخًا عابرًا للقارات لتضرب بعمق ثلاث قواعد نووية إيرانية شديدة التحصين: فوردو، نطنز، وأصفهان.
لم تكن هذه الضربات مجرد دعم أمريكي لإسرائيل في حربها المفتوحة ضد إيران، بل كانت إعلانًا صارخًا عن دخول الولايات المتحدة بكل ما تملك من أدوات التدمير طرفًا مباشرًا، ومشاركًا فعليًا في واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا وخطورة في الشرق الأوسط.
القنابل التي استخدمتها أمريكا لم تُستعمل منذ قصف كهوف تورا بورا في أفغانستان، أما الصواريخ العابرة للقارات، لم تغير فقط موازين القوة، بل مزقت ما تبقى من أوهام حول حياد مزعوم، أو دبلوماسية محتملة. فكانت بمثابة توقيع رسمي على صفحة جديدة من التصعيد العسكري الأمريكي، عنوانها: "لا خطوط حمراء بعد الآن."
المشهد بات أكثر وضوحًا: الولايات المتحدة لم تعد تكتفي بالدعم السياسي أو اللوجستي لإسرائيل، بل انتقلت من مرحلة الشريك الخلفي إلى موقع المتورط الكامل. لم تعد مجرد داعم، بل طرف أصيل في المعركة.
وما بين الضربة الأولى والتصريحات القديمة للرئيس الأمريكي، تتكشف مفارقة دامغة؛ فرغم وعوده في بداية ولايته بأنه سيكون رئيس السلام، كانت أفعاله انعكاسًا صارخًا للنقيض: دعم غير محدود لإسرائيل، صمت تام على جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين، وسعي محموم لتصفية القضية الفلسطينية.
اليوم، تقف المنطقة فوق فوهة بركان مفتوح، يترقب الجميع الرد الإيراني.
هل ستصمت طهران؟
أم أنها سترد بطريقة تدفع المنطقة إلى هاوية مواجهة مفتوحة، قد لا تترك أحدًا سالمًا؟
وهنا يقف العالم أمام لحظة فارقة:
ما هو الرد الإيراني؟
ذلك هو السؤال الحتمي، لأن إجابة طهران – إن جاءت – لن تكون مجرد رد فعل، بل ستكون العامل الحاسم في تحديد شكل واتجاه الحرب في الأيام القادمة.
فإما أن ينفجر الإقليم برمّته في أتون مواجهة شاملة، أو يدخل مرحلة جديدة من الصراع الطويل، حيث لا مكان للتهدئة، ولا وقت للوساطات.