مساحة إعلانية
في موكب من الصمت، عادت تسع عشرة زهرة محمولة على الأكتاف.
في طريق العمل، لا طريق الموت، سارت فتيات في عمر الأمل. خرجن مع شروق الشمس يحملن أحلامًا بسيطة وكبرياء الفقراء، يكافحن من أجل لقمة عيش كريمة في وطنٍ لا يرحم الفقر ولا يلتفت للضعف. لكن طريقًا متهالكًا، غارقًا في الإهمال، وضع النهاية... نهاية لا تليق ببراءة الأعمار ولا بكرامة السعي.
حادث الطريق الإقليمي الذي حصد أرواحهن ليس قضاءً وقدرًا. إنه إهمال واضح، وتقصير فاضح، وجريمة مكتملة الأركان. طريق يعمل باتجاه واحد منذ أكثر من عام، رغم أنه حديث العهد، لم تمر على إنشائه سوى ثماني سنوات. فمن يُحاسب على ذلك؟ ومن يدفع الثمن؟ دائمًا الفقراء وحدهم.
الفريق كامل الوزير، وزير النقل، يقف اليوم أمام مأساة تهز الضمير الإنساني. فالواقع يفرض علينا أن نراجع ما يجري داخل هذه الوزارة، التي تمس حياة الناس اليومية بشكل مباشر. وزارة النقل ليست مجرد حقيبة في الحكومة، بل شريان حياة يُفترض أن يؤمّن طرقًا آمنة للمواطنين. ومع اتساع المهام، يصعب الجمع بين مسؤوليات جسيمة دون أن يكون لذلك انعكاسات مؤلمة. والمؤسف أن أحدًا لم يُسلّط الضوء على هذا الخلل، لا من نواب الشعب، ولا من الإعلام، ولا من الأحزاب، وكأن دماء الفتيات لم تُرَق، وكأن صوتهن لم يُسمع.
في حوادث سابقة، سقط وزراء تحت وطأة الغضب الشعبي، لكننا اليوم أمام صمت مطبق، وكأن هؤلاء الشهيدات لا وزن لدمائهن، ولا صوت لأهلهن. وكأن الحزن ممنوع، والغضب محظور، والمطالبة بالحق ترف لا يليق بالفقراء.
من المسؤول عن طريق ينهار بعد سنوات قليلة؟ من يحاسب على صمت الصيانة، وعلى تجاهل التحذيرات؟ ومن يرد على سؤال الأمهات: لماذا لم تعد بناتنا؟ أي ذنب جعلن العمل واجبًا؟ وأي عدل هذا الذي يجعل الفقيرات يدفعن ثمن فشل الإدارات وتراخي المسؤولين؟
أنا، كمواطن، لا أملك سوى كلمتي، وأقولها بمرارة: المسؤولية ثقيلة، ولا تحتمل التشتت أو الانشغال عن تفاصيل تمس حياة الناس. حين تتسع المهام وتتشابك الأولويات، يصبح من الصعب الإلمام بكل ما يجب متابعته. ومن لا يستطيع أن يحتمل هذا العبء الثقيل وحده، من الحكمة أن يُخفف عنه قبل أن يدفع الأبرياء الثمن.
لا نريد تعويضات. لا نريد وعودًا زائفة. نريد محاسبة عادلة. نريد دولة تحمي أولاد الفقراء، لا تدفعهم إلى الموت في وضح النهار، ثم تغمض عينيها عن دمائهم.
رحم الله بناتنا، وأسكنهن فسيح جناته. وكتب لهن أجر الشرف والكفاح.
وليعلم كل مسؤول أن حقهن لن يُنسى، وأن صوتهن سيظل يصرخ في وجه الصمت، حتى تُقال الحقيقة، وتُستعاد العدالة.