مساحة إعلانية
في ظل الحروب المعاصرة التي تستهدف العقول قبل الأجساد نجحت آليات هدم و تفكيك المجتمعات في توجيه سهامها نحو أخطر ما يحمي الشعوب ويحافظ على تماسكها ألا و هو المثل الأعلى و القدوة فقد أدركت القوى الهدامة أن ضرب الرموز الإيجابية و إقصاء النماذج المشرفة و الكفاءات من المشهد العام مع الدفع بأشخاص عديمي القيمة أو الفارغين فكريًا و أخلاقيًا إلى صدارة المشهد هو الطريق الأسرع لتدمير المجتمعات من الداخل .
ففي السنوات الأخيرة شهدنا انتشار ظاهرة تصدر قدوات زائفة للمشهد الإعلامي و الاجتماعي و أشخاص ليس لديهم أي إنجاز حقيقي أو قيمة أخلاقية أو فكرية بل يقدمون محتوى هابطًا أو يتاجرون بأعراضهم و سلوكياتهم المثيرة للجدل مما جعلهم يحصدون الشهرة و الأضواء في وقت غاب فيه أو تم تغييب العلماء و المبدعين و الرموز الوطنية و النماذج المشرفة التي كانت تمثل القدوة الحقيقية للأجيال القادمة .
وقد اعتمدت تلك الآليات على إغراق وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي بمحتوى سطحي و فارغ يروج لمشاهير الترند و المثيرين للجدل على حساب المحتوى الهادف الذي يبرز القدوة الحقيقية و تشويه الرموز و النماذج المشرفة عبر حملات منظمة لنزع الثقة منهم و إبراز أخطاء صغيرة أو تأويل مواقفهم لتشويه صورتهم أمام الرأي العام و كذلك ربط النجاح و الشهرة بالقيم المادية و السطحية و ليس بالاجتهاد أو الأخلاق أو العلم مما يزرع في عقول النشء أن النجاح يتحقق بالضجيج لا بالإنجاز مع استغلال بعض المؤثرين فاقدي المسؤولية الذين يروجون لأفكار منحرفة و سلوكيات غريبة بدعوى حرية التعبير فيتم تحويلهم لقدوة زائفة .
إن أخطر ما في تلك المخططات أنها تسعى لتدمير ثقة الشباب في أي قدوة حقيقية مما يفتح الباب لانحدار القيم و انتشار السلوكيات الشاذة و الغريبة و يجعل الأجيال الجديدة بلا هوية أو انتماء سهل السيطرة عليهم و إبعادهم عن القيم الوطنية و الدينية و الاجتماعية.
وللتصدي لهذه الآليات الهدامة، لا بد من إعادة إحياء الرموز الإيجابية و تسليط الضوء إعلاميًا على العلماء و المبدعين والمخلصين في كل مجال بالاضافة إلى تفعيل دور الأسرة و المؤسسات التعليمية و الدينية في توعية الأبناء بخطورة القدوات الزائفة مع مراقبة المحتوى الإعلامي و منصات التواصل الإجتماعي و وضع ضوابط أخلاقية تحمي وعي المجتمع من الانحدار و تشجيع المبادرات التي تحتفي بالقدوة الحقيقية وتكرمها و تبرزها كنموذج يحتذى به .
إن الحفاظ على المثل الأعلى الحقيقي هو صمام أمان المجتمعات و إذا أردنا بناء أجيال قادرة على النهضة و التنمية مؤمنة بقيمة الوطن روحها مشبعة بالولاء و الانتماء و حب الوطن فلا بد أن نصحح مسار القدوة و نحصن شبابنا ضد تصدر الزائفين للمشهد و نعيد الامور لنصابها الاصيل الذي يعبر عن الهوية الوطنية للوطن و يواجه آليات هدم و تفكيك المجتمعات بقوة حفاظا على الوطن و سلاما عليكي يا بلادي في كل وقت و في كل حين .