مساحة إعلانية
حين نسمع كلمة خيانة الوطن تتجه أذهاننا مباشرة إلى الجاسوسية و تسريب الأسرار و التعاون مع الأعداء ضد مصلحة البلاد لكن الحقيقة أن الخيانة لا تتجسد فقط في عميلٍ يبيع وطنه للمخابرات الأجنبية بل هناك خيانات أخرى أخطر و أعمق أثرًا لأنها تهدم الوطن من الداخل ببطءٍ و هدوءٍ حتى يسقط دون أن يُطلق عليه رصاصة واحدة .
إن أخطر أشكال الخيانة هي أن يتصدر المشهد العام من لا يملك الكفاءة و أن يُقصى أهل الخبرة و العلم لحساب أصحاب المصالح و العلاقات فحين تضيع معايير الكفاءة و الاستحقاق يختل ميزان العدالة و ينهار النسق القيمي للمجتمع و تضيع البوصلة الوطنية التي تحفظ للأمة مسارها الصحيح .
كيف يمكن أن نبني وطنًا قويًا إذا جلس في مواقع القيادة من لا يعرف معنى القيادة ؟
كيف يمكن أن نتقدم إذا تحكم في مصير العقول من لا يقدر العلم و المعرفة ؟
إن وضع من لا يستحق في موقع المسؤولية هو جريمة في حق الأجيال القادمة لأن أثرها لا يقف عند حدود الخطأ الإداري بل يمتد ليصيب الوعي الجمعي للأمة و يشوه قيم العدالة و التفوق و العمل الجاد .
إن خطورة تصدّر غير الأكفاء تكمن في أن المجتمع يبدأ في تقليدهم فيتحول النجاح إلى مجاملة و المكانة إلى واسطة و الجهد إلى عبء لا قيمة له و هنا تبدأ المنظومة القيمية بالانهيار و يتربى جيلٌ جديد على أن الولاء للأشخاص لا للوطن و للمصلحة لا للمبدأ و للظهور لا للإنجاز .
كل من يضع شخصًا في مكان لا يستحقه على حساب من هو أجدر إنما يشارك في جريمة خيانة وطنية كبرى لأنه يُسهم في إضعاف المؤسسات و في تفريغ الكفاءات و في إفقاد المجتمع قدرته على التطور و الإبداع .
الوطن لا يُبنى بالأسماء اللامعة أو الشعارات الفارغة بل بالعقول التي تؤمن بالعمل و الانضباط و الإخلاص و كل من يتساهل في حفظ هذه القيم أو يساهم في إقصاء الأكفاء إنما يخون الوطن بطريقته الخاصة حتى لو لم يحمل وثيقة سرية إلى عدو .
لقد علمتنا التجارب أن الأوطان لا تُهدم بالحروب فقط بل تُهدم حين يتولى أمرها من لا يعرف قيمتها و حين تُختزل المناصب في الولاءات و يُحارب المخلصون لأنهم صادقون فحين يضيع معيار الكفاءة تضيع معه هيبة الدولة و ثقة المواطن و مستقبل الأجيال .
الخيانة ليست فقط من يتجسس أو يبيع بل من يُهمل و يُجامِل و يُقصي أصحاب العقول المبدعة و يُكرم أصحاب الضوضاء فكل من يخذل وطنه عن طريق العبث بمنظومة القيم و العدالة الاجتماعية هو خائن للوطن و إن لبس ثوب الوطنية .
الوطن يحتاج اليوم إلى وعيٍ جديد يُعيد الاعتبار لأصحاب القيمة و يرفض تصدّر من لا يملك الخبرة و لا العلم فبناء الدولة الحديثة لا يتم إلا على أساس العدالة و الجدارة لا على المحسوبية و المصالح الضيقة .
إننا بحاجة إلى ثورة وعي تحرر المناصب من سطوة العلاقات و تعيد الأمور إلى نصابها حتى لا نصل إلى لحظة ندرك فيها أن الخيانة لم تكن خارج الحدود بل كانت بيننا حين خُنّا مبدأ الإنسان المناسب في المكان المناسب و هنا دورنا الوطني المخلص كعلماء اجتماع ان ندق ناقوس الخطر و ان نزيد الوعي المجتمعي الوطني المخلص المحب لمصر العظيمة حتى نحافظ على هويتنا و بصمتنا التاريخية بين الامم و ان تكون مصر دائما أم الدنيا كلها و سلاما عليكي يا بلادي في كل وقت و في كل حين