مساحة إعلانية
خطوات أقدام صغيرة حافية في بداية مشوارها نحو لمس الأرض وأكتشاف الحياة في واحاتنا الطيبة يتوسط جامع معاذ بيوت الشق أو الحي التي تحيطه في وقار كحدوة الفرس في احترام بالغ حيث صوت المرحوم الحاج إسماعيل مجيد يزلزل القلوب بحرصه الذي يظهر في كل كلمة من كلمات الأذان في المسجد كان أبي يتحدث بمحبة بالغة مع الشيخ احمد حسن خالد الذي ظل يتحدث العربية حتي في حانوته العتيق الذي يقع في الطريق إلي قبة الشيخ مكي والشيخ خمبس في رفق نادر فريد يظهر الشيخ عوض زهر الدين والرؤس الدائمة في المسجد فنصلي في محاولة لأن نتعلم من هؤلاء الذين نحبهم ونشعر بجمال أرواحهم الطاهرة وعندما نخرج من المسجد كانت تبدأ الإقتراحات من الأصدقاء بعمل غديوة صغيرة يحضر كل واحد من الأصدقاء ما يجود به وننقي مكان يحمل هذا الطقس الطفولي البهيج الذي يبدأ التحضير له على سلم جامع معاذ وفي تلك الفترة التي كان الحصير هو فرش المسجد وتجلس روحي المتأملة لبيوت الشق التي تتلاحم وكأنها تحمي بالحميمية والتجاور سكانها في تناغم بديع الحي أو الشق كأنه بيت واحد كبير له أبواب متعددة تفتح على الود الخالص والمحبة الصادقة بين كل من يسكن في شقنا وقد عشيت معظم سنوات عمري ما رأيت خلافا بين الجيران مطلقاً بل أسرة واحدة متماسكة مترابطة في ود معجون بالسماحة وأحاول وأحاول وأحاول أن يكون هناك من الكلمات ما يستطيع وصف روح الجمال والروعة الصادقة التي تسري بين كل بيوت الشق من بيتنا القديم يميناً بيت الحاج فهمي حمدون والمرحوم أبو صبحي موسي وبيت المرحوم عبد الحميد جهلان ثم الحاج يوسف جهلان وبعده الحاج احمد عبد الرحمن وبيت الحاج حفظ الله محمد حسن ثم بيت المرحوم محمد خواص وبيت الحلابين ثم جاء في الحديث عن هذه المحبة الكبيرة ما يثلج صدر المحب ويعلمنا أن ما نحن فيه من فرقة لا يليق بقدر الجيرة التي اوصي عليها الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا كثيرا ثم فإني أسمع صوت أمي رحمها الله تعالى يقول ما تعلمته من عبقرية الفطرة الإنسانية فيما جادت به القريحة الشعبية من كلمات بليغة في شكل أمثال خلدتها ذواكر الأهالي لما فيها من خلاصة التجارب ومستودع الخبرة الكافية لكي تكون دساتير شفاهية حيث يلوح لي أن الجار قبل الدار وكذا مدام جارك بخير أنت بخير وايضا أقفل بابك وأمن جارك ولا يمكن أن يصل إلى تفكير من لا يعرف جاره في العمارات السكنية الحديثة أن أهل بلادي كانت تفتح في الحوائط ما يسمي بالطيقان جمع طاق وهو تجويف في الحائط يصل بين كل بيت وجاره حتى يتم تضويق من الضواقة أي وفي لهجة أهل بلادي تحولت الذال ضاضا فمن بذوق ما تم طبخه تبدلت إلي يضوق وكذا أنه لابد لمن يخبز خبزا أن يرسل أرغفة ساخنة إلي أهل الحي الذي يقيم فيه والأمر الثاني هو هذا القدر المدهش من الحلول الشعبية للمشكلات المصيرية مثل زواج الشاب والبنات فكانت النتيجة التي وصلت إليها الجماعة الشعبية هو عرف مستقر إسمه الغرز والرد فيقوم الجميع لمساعدة أهل الفرح بما يسمي غرزا وعندما يكون هناك مناسبة مماثلة يقوم الجار بالرد في نظام عرفي بديع يحل مشكلات الأهالي في ظل وجود أي شيء تحتاجه العروس ولا تستطيع أسرته القيام به والأمر لا يقتصر على الأفراح وانما في الأتراح والأحزان يقوم الأهالي وفي مقدمتهم الجيران بعمل طعام لأهل المتوفي من إفطار وغداء وعشاء طيلة فترة الجنازة أن العمارة الشعبية في الواحات أثرث بشكل كبير على سلوك الجماعة الشعبية هناك إذ كانت الواحة في فترة من فترات التاريخ مسقوفة وكأن الشق أو الواحة كلها بيت العائلة الوحاتية التي تعيش تحت سقف واحد وتشرب من عين واحدة هي عين الدار وكانت تسمي قديما بعين الحصن انتي أسمع صوت عميق من داخلي يقول يا جار الهنا يا جار وهي جملة واحدة ظلت ترددها يوم وفات أبي احدي الجارات من الجدات القديمات الأمر بقدر جماله كما تبوح السطور محزن في الوقت ذاته لما نراه في أيامنا هذه من تخاذل كبير جدا لما تحمله كلمة الجار من تراجع لهذه العلاقة العظيمة التي تنضح بالأصالة والإنسانية والجمال وكذا وصية الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم تسليما كثيرا كثيرا فكما يقول الأهالي جارك أقرب لك من اخيك أن الألعاب الشعبية في الواحات كانت تقول إن السعادة الحقيقية وراء كل هذا النقاء والصفاء والتلاحم هو الإحساس بأن السعادة لا تكتمل إلا بحضور الجميع وأن اللقمة لا تحلو إلا إن أكلها أو ضاقها الجار ورحم الله تعالى أمي كانت على الطلبلية تقول دائما اللقمة تحلي لو كلوها اتنين والخير يزيد لو صفيت النية