مساحة إعلانية
بعث إلىّ مَن يستوضحنى مسألة فى "علم العروض "
حول التفعيلة "مُـستفعلن"..
وهل هى "مُسْـتَـفْـعِـلُـن" أم "مستفع لن" ..؟
فى البداية نشير إلى أن الكلام يتكون من متحركات وسواكن (حروف متحركة وأخرى ساكنة) ، فى مقاطع صوتية تطول أو تقصر ، لذا نسوق بعض التسميات العروضية لهذه المقاطع ، لكى يسهل الحديث عنها ..
إليكم هذه العبارة الشهيرة التى تقول
( لَـمْ أَرَ عـلَـى ظَـهْـرِ جَـبَـلٍ سَمَكَةً )
مع مراعاة أن حروف العلّة (و ، ا ، ى) حروف ساكنة ، والتنوين - بالضم ، أو بالفتح ، أو بالكسر - ما هو إلا " نون" ساكنة ، والحركة فى نهاية القافية يتم إشبَاعها ، فيُزاد إليها حرف علّة ساكن من نفس جنسها ، لتصبح حركة متبوعة بسكون ، والتشديد يُفكّ بحرفين ( ساكن يليه متحرك) ، كما أن التقطيع العروضى يعتمد النطق لا الكتابة ، بمعنى أن ما يُنطق يُكتب ، و ما لا يُنطق لا يُكتب ( حرف الواو فى "عمرو " لا يُلتفت إليه ، ومثل ذلك حرف الألف فى " ذهبوا " ) ، أما فىى كلمة "هذا" ، فتكتب عروضيا "ها ذا"..!
و إذا أشرْنا إلى الحركة - الفتحة أوالضمة أوالكسرة - بالشرطة المائلة " / " كعلامة ، و إلى السكون برمز السكون " ٥ " كعلامة ، و مثّلنا مقاطع عبارتنا الشهيرة بهذه العلامات ، نجد
(لَمْ) يمثّلها ( /٥) ، ويسمى هذا بـ " سبب خفيف " ،
و
(أَرَ) يمثلها ( // ) ، ويسمى هذا بـ " سبب ثقيل " ،
و
(عَـلَى) يمثلها ( //٥) ، ويسمى هذا بـ " وتد مجموع "
، و
( ظَهْرِ) يمثلها ( /٥/ ) ، ويسمى هذا بـ " وتد مفروق "
(جَـبَـلِـن ْ) يمثّلها ( ///٥) ، ويسمى هذا بـ "فاصلة صغرى " (و نلاحظ أنها مكونة من سبب ثقيل وسبب خفيف ) ،
و
( سَـمَـكَـتَـن ْ) يمثّلها ( ////٥) ، وتسمى هذه بـ " فاصلة كبرى " (ونلاحظ أنها مكونة من سبب ثقيل و وتد مجموع )
ونعود إلى (مستفعلن /٥/٥//٥) فنجد أنها تتكون من سببين خفيفين، يليهما وتد مجموع
(/٥ - /٥ - // ٥) ، ( ومثالها عبارة مثل "ماذا ترى" ، فهى تتكون من متحرك يليه ساكن ، ثم متحرك يليه ساكن ، ثم متحركيـْن يليهما ساكن )
و(مستفع لن) نجد أنها تتكون من سببين خفيفين بينهما وتد مفروق ،( /٥ - /٥/ - /٥ ) ولذا سمّوْها " ذات الوتد المفروق " ، (وهى تمثيل لعبارة مثل " فى بَـيـْـتِـنَـا ")
والبحر الشعرى " المجتثّ " ، بحسب الدوائر العروضية يكون وزنه - فى كل شطر - هو
(مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن)
ولكن نظرا لأن هذا البحر لا يأتى إلا مجزوءًا- أى بحذف الثلث الأخير من تفعيلات كل شطر - فيكون وزنه المستعمل هو ( مستفع لن فاعلاتن ) ، لكل من الصدر ، والعجُز - والصدر و العَجُز ، هما الشطران الأول والثانى ، على الترتيب - ..( فى كل بيت من القصيدة نجد أن الشطر يتكون من جزأين : وهما تفعيلات الحشو، وبعده التفعيلة الأخيرة التى لها اسم خاص،
فالصدر ينتهى بتفعيلة تسمى "العروض" ، و العَجُز، ينتهى بتفعيلة تسمى "الضرب ") ، فالحشْو - هنا - هو مستفعلن فى الشطرين
والتفعيلة "مستفع لن" ، نجدها فى بعض كتب العروضيين مكتوبة "مستفعلن" استسهالا ..
ونحن نعلم أن التفعيلة الشعرية قد لا تظل على حالها ، بل يدخل عليها تغيير- بالنقص أو الزيادة أو تسكين المتحرّك- ( و يسمى هذا التغيير اصطلاحا بالزحاف) والتغيير فى الحشو يسمى زحاف الحشو ، والتغيير فى العروض يسمى زحاف العروض ، والتغيير فى الضرب يسمى زحاف الضرب ..
والحشو - هنا - هو مستفعلن فى مبدأ الشطر الأول والثانى ، و التى قد تصبح " متـفْعِلن" ، وذلك بحذف الثانى الساكن منها ، لكن لا يجوز أن تُحذف منها الـ" فاء " .. من أجل هذا قرّر العروضيون كتابتها "مستفع لن" وسَمّوْها ذات الوتد المفروق ، ( والزحافات لا تجرى على الأوتاد) ..!
أما تفعيلة العروض " فاعلاتن " فيجوز أن يلحقها زحاف متمثلا فى حذف الثانى الساكن من السبب الخفيف الأول ، فيصبح وزن التفعيلة "فعِلاتن " ،
( ونقول "يجوز" ، بمعنى أنه متى ورد الزحاف فى بيت ، لا يلزم وروده فى بقية الأبيات )
أما تفعيلة الضرب " فاعلاتن " فيجوز - أيضا- حذف
" العين " لتصبح " فالاتن " لتصبح ثلاثة أسباب متتالية ..
ومن الشعر الذى ورد على بحر المجتث ، قول ابن المعتز، عن مدينة " سامرّاء " أو ( سُرّ من رأى) حين رآها تُنقض ، لاستخدامها فى بناء "بغداد" ، فقال :
قد أقفَـرَت سُرّ مَن را … فما لشئٍ دوامُ
فالنّـقْـضُ يُحمل منها … كأنّها آجامُ
*
وإذا حاولنا التقطيع العروضى ، نجد
قد أقفرتْ سُـرّ مَــنْ را
/ ٥/٥ //٥ /٥//٥ / ٥ ٥ /
مستفعلن فاعلاتن
فـــما لشيْ ئنـْدوامو
/ / ٥// ٥ /٥ /٥ // ه/٥
متفْعلن فاعلاتن
{ و أنا أرى ، أن الشاعر ، الذى كان ينشد شعره - أى يتغنّى به - وهو على ظهر راحلته ، فمع حركة سيـْر الناقة ، يهتزّ راكبها، فكان يمتدّ منه بعض الحروف فى غنائه ، فتخرج الجملة ( فما لشئ دوامُ) بشكل آخر على النحو (فاما لشئ دوامو ) لتصير (مستفعلن فاعلاتن) ، و قِسْ على ذلك …! }
والزحاف دخل تفعيلة العروض ، فى الشطر
فالنّقضُ يَحْ مِلُ منْها
/٥ /٥ //٥ ///٥ / ٥
مستفعلن فَعِلاتن
ومثله فى قول الشاعر "المازنى"
ثوبُ الحياةِ بَـغيضٌ … ياليْتنى مالبِسْـتُـهْ
و
التقطيع العروضى هو
ثوبُـلْحيا تِـبَـغِـيضُنْ …
/٥/ ٥//٥ ///٥ /٥ ٥/
مستفعلن فَـعِـلاتُن
يا ليتنى مالبستُهْ
/٥/٥//٥ /٥//٥ / ٥ ٥/