مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفى رجب يكتب :الأصول الإسلامية للطب البيطري

2025-05-10 03:39:37 - 
الشاعر الدكتور مصطفى رجب يكتب :الأصول الإسلامية للطب البيطري
الشاعر الدكتور مصطفي رجب

يخطئ كثير من المثقفين المسلمين حين يقولون -أو يعتقدون- أن الرفق بالحيوان مبدأ غربي بحت، وليد حضارة الغرب الحديثة. ولعل ضعف صلتهم بدينهم، وقلة بصرهم بتراثهم وراء هذا القول أو ذلك الاعتقاد.
ومهنة الطب البيطري التي تشمل رعاية الحيوان وعلاجه ووقايته من المرض من أبواب الطب العربي القديم، وله في كتب التراث تبويب خاص به بين العلوم المكتسبة، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليرجع إلى كتب تصنيف العلوم مثل "الفهرست" لابن النديم، و"مفتاح السعادة" لطاش كبرى زاده، و"أبجد العلوم" لصديق حسن القنوجي، وقبل هذين الأخيرين كتاب "إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد" لابن الأكفاني.
(1) والأصل الشرعي الأول لمهنة الطب البيطري يستند إلى ما حضّت عليه الشريعة من "الرفق" وهو أصل من الأصول العامة للسلوك الإسلامي. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله  قال: (يا عائشة. إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه)(1).
(2) والأصل الشرعي الثاني لمهنة الطب البيطري هو المنفعة [بلغة عصرنا] -أو ابتغاء فضل الله- [بلغة الشرع] فيما جعل الله لنا في هذه الحيوانات من منافع تيسّر على الناس حياتهم. فقال عز وجل: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعَ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)} [النحل8).
(3) والأصل الشرعي الثالث لمهنة الطب البيطري هو أن للحيوانات حقوقا ،  ولا تقوم معاملة الإنسان لها على مجرد "الرفق" فقط، بل إن هذا واجب عليه.
(4) والأصل الشرعي الرابع إن علاقة الإنسان بالحيوان لها جوانب عقائدية لا يكتمل إيمانه إلا باعتقادها والتصديق عليها.
 ** وفيما يلي إيضاح لهذه الأصول:
أولاً: مبدأ الرفق بالحيوان:
 إن معنى الرفق يضادّ معنى العنف والخشونة، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن الرفق أصل من الأصول التي نادت الشريعة الإسلامية بغرسها في نفوس المسلمين، فقال تعالى في وصف المؤمنين {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح/29] وقال أيضاً: {وَتَوَاصَوْ بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد/ 17]. وأخرج البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: "أتيت النبي  في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة،وكان رحيماً رفيقاً"(2). فالإسلام بهذه المثابة يشجع أتباعه على اعتناق مبدأ الرفق والرحمة والسماحة في كل سلوكياتهم.
 وقد أوصى الرسول  بالحيوان في أكثر من موضع فعن سُراقة بن جُعشُم قال: "سألت رسول الله  عن ضالّة الإبل تغشى حياضي قد لطتها لإبلي فهل لي من أجرٍ إن سقيتها؟، قال: (نعم في كل ذات كبد حرَّى أجر)(3)، و"مر رسول الله  ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المُعجمة فاركبُوها صالحة وكُلوها صالحة)(4).
 وفي  صحيح مسلم: "ركبت عائشة بعيراً فكانت في صعوبة فجعلت تردده فقال لها رسول الله : (عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع عن شيء إلا شانه)(5)، وعن خالد بن معدان يرفعه (إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تُطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس على الطريف فإنها طرق الدواب ومأوى الحياة)(6).
 على أن دعوة الإسلام إلى الرفق بالحيوان، ليس مناطها الرحمة فقط، بل إن الإسلام رتب على هذا السلوك أجراً عظيماً، وخيراً عميماً، وهذا المنهج –أعني ربط السلوك بالأجر- فيه نزعة تربوية سامية، لأنه يخلق داخل النفس الإنسانية "دافعية" نحو السلوك الخيِّر حتى يعتاده الإنسان بمرور الوقت والتكرار فيصبح جزءاً أساسياً من شخصيته. وهذا وجه فريد من وجود الإعجاز التربوي الإسلامي.
 يدل على ذلك ما صحّ عن النبي عليه وعلى آله وسلم فيما رواه البخاري بسنده: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)(7).
 وإذا كان الترغيب في الشيء، يتضمن حتماً، التنفير من ضده، فقد اشتدّ النكير على من يؤذي حيواناً بغير ذنب كما في الحديث الصحيح عن المرأة التي دخلت النار بسبب هرة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ليكون جزاؤها العنيف بالتعذيب في نار جهنم درساً متجدداً لكل من يصنع مثل هذا الصنيع المرذول.
 فإذا عُلم هذا، وتأكد أن الإسلام يحث على الرفق بالحيوان ويرتب عليه أجراً، وينهي عن إيلامه وإيذائه ويرتب عليه وعيداً شديداً. فإن مهنة الطب البيطري تكتسب مكانة شرعية مرموقة لأنها تتغيّا –بالدرجة الأولى- تخفيف الألم عن الحيوان، وعلاجه، ووقايته، بوصفه مصدر خير وعون للإنسان. ثم هي تطمح –بالدرجة التالـية- إلى الحيلولة دون ما ينتقل إلى الإنسان من أمراض الحيوانات، فـإذا ابتغى الطبيب البيطري ومعاونوه في مسلكهم الأجر من الله تعالى نالوه بكل تأكيد.
المبدأ الثاني: المنفعة:
 قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعَ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)}[النحل).
 وقال سبحانه: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنَا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ} [النحل/ 66).
 وقال سبحانه: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمِ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل/ 80).    
 وقال سبحانه: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام/ 142).
 أوضحت هذه الآيات الكريمة ما يعود على الإنسان من منافع وفوائد يجنيها من اقتناء الدواب والأنعام وأهم هذه المنافع:
1- ما يتخذه الناس من ملابس وأغطية وأكسية من صوف الحيوانات وأشعارها وأوبارها.
2- الألبان وما يتصنع منها من أطعمة.
3- اتخاذ الإبل والخيل والبغال والحمير وسائل مواصلات.
4- اتخاذ جلود الأنعام خياماً يتنقل بها أهل البداوة فيحتمون بها من الحر والبرد.
5- استخدام الحيوانات مصادر للحوم الحلال كالبقر والغنم.
 ويلحق بذلك ما أحل الله من الطيور كالحمام ومن السابحات في الماء كالأسماك والحيتان. كل ذلك يدخل تحت اسم "الحيوان" من جهة اللغة، ويدخل ضمن المأمور بالرأفة به من جهة، والانتفاع به من جهة أخرى بتسخير من الله الخالق جل وعلا.
 وتأسيساً على ذلك، تكون مهنة الطب البيطري وسيلة لتعظيم انتفاع الإنسان بما أحلّ الله تعالى، له من الطيبات من الرزق المخبوء في الحيوان. وتكون رعاية الحيوانات -بمعناها الواسع- أسلوباً من أساليب تنمية الثروات الغذائية وطريقة من طرق تحقيق الانتفاع بما سوى الغذاء مما في الحيوان من منافع.
المبدأ الثالث: حقوق الحيوان:
 تختلف نظرة الإسلام إلى الحيوان من نظرة الحضارة الغربية الحديثة، فالغرب إنما ينظر من الحيوانات إلى الكلاب والقطط والخنازير لأسباب معروفة، لا نرى داعياً للخوض فيها، وفيما تنشره المجلات والصحف وشبكة المعلومات الدولية طرائف كثيرة تغشى لها النفوس السليمة، وتقشعر لها القلوب السوية من مثل(7):
- ثلاث أمريكيات يوصين بمعظم أموالهن إلى خنزير وكلب وأربع قطط.
- امرأة توصي بمنزلها الذي تبلغ قيمته مائة ألف دولار إلى كلبها المدلّل.
- "صالون" حلاقة للكلاب في جنوب إنجلترا.
- كلب يرث خمسة وثمانين مليون دولار من والده.
- ديوان شعر يضم قصائد في الكلاب فقط!!. 
 هذه مظاهر لاهتمام الغرب بالحيوان!!. فهذه الفئات الثلاث هي التي تحظى بكرم الغرب فقط، أما ما عداها –كالثيران- فإنهم يعذبونها تعذيباً بشعاً من باب اللهو. أما في الإسلام فإن معاملة الحيوان-على الإطلاق- تسمو إلى درجة مذهلة، والمتتبع للأحاديث النبوية الشريفة يجد أن الإسلام يحتفظ لها بحقها في الحياة فمثلاً:
1- يحرم قتل الحيوانات بغير حق.
2- يحرّم تعليق شيء في رقابها حتى لا تختنق إذا أساءت الحركة.
3- ينهى عن قتل النمل، والنحل، والهدهد، والضفدع، والخفاش.
 كما بحفظ لها حقها في الغذاء فمثلاً:
1- يحرّم منع الطعام والشراب عن الحيوانات.
2- يأمر بإعطائها قدر ما يكفيها من الأكل والشرب.
3- يؤكد حق صغارها في الطعام والرضاع.
 كما يحفظ لها حقها في إحسان ذبحها وقتلها إذا كانت مما يذبح أو يقتل فمثلاً:
1- ينهى الإسلام عن حرق الحيوانات بالنار.
2- يحرم اتخاذها هدفاً للتسلية.
3- يأمر بإحسان الذبح والقتل.
 كما يحفظ الإسلام للحيوانات حقها في العناية بصحتها. وهذا من أهم أصول مهنة الطب البيطري في الإسلام فمثلاً:
- يأمر الإسلام بوقاية الحيوانات من المرض وبعلاجها إذا مرضت.
- كما ينهى عن إعطائها طعاماً خبيثاً ضاراً.
- ويأمر بنظافة حظائرها ونظافتها الشخصية.
المبدأ الرابع: الجوانب العقائدية:
 إذا كانت مهنة الطب البيطري تستند إلى مبادئ الرفق، والمنفعة، ورعاية حقوق الحيوان، فإن لصلة الإنسان بالحيوان جوانب عقائدية ينبغي على كل مسلم أن يدرسها ويعرفها ومنها على سبيل الإجمال:
- ما يتعلق بها من نجاسات.
- ما يتعلق بنقل بعض أعضائها إلى الإنسان.
- ما يتعلق بأسلوب التذكية (الذبح الشرعي) من أحكام.
- دعاء الحيوانات للعلماء ودعاء الفرس لصاحبه .. الخ.
الهوامش:
1- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب – باب فضل الرفق- حديث رقم (2593).
2- صحيح البخاري، كتاب الآذان – باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد، حديث رقم (602).
3- سنن ابن ماجه، كتاب الأدب – باب فضل صدقة الماء، حديث رقم (3686).
4- سنن أبي داود، كتاب الجهاد – باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، حديث رقم (6548).
5- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، حديث رقم (2549).
6- موطأ مالك، كتاب الجامع، باب ما يؤمر به من العمل في السفر، حديث رقم (1767).
7- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، حديث رقم (5663).
8- مجلة الوطن العربي، العدد (1307) الصادر في 22/3/2002، ص 10 وغيرها.

مساحة إعلانية