مساحة إعلانية
من منا لم يسمع وهو يدرس سواء فى المدرسة أو الجامعة جملة "عند الامتحان يٌكرم المرء أو يٌهان" فهي الجملة التى تقال لنا دائمًا عند الإقبال على أي امتحان، فكل من حولنا يقول لنا هذه الجملة التى تحمل فى داخلها من الخوف والتوتر والقلق ما سيبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا على أي شخص تقال له، فهى جملة لا تنسى مطلقًا.
فمن قال هذه الجملة؟ وهل هى مجرد جملة عادية ولا هى مثلّ؟ عندما بحثت عنها وجدتها بالفعل مثل شعبى قديم ذكر فى بعض الكتب العتيقة، وهناك رأى أنها مترجمة من التراث الفارسى.
ويعنى لو ادعى شخص ما قدرته على فعل شئ معين، فيُختبر، فإما يصدق فنكرمه، وإما يكذب فيهان.
فما قصة هذا المثل؟
يقال إنه جاء من بلاد فارس رجل فصيح اللسان، أبيض اللحية، طويل القامة وعريض الكتفين إلى القاهرة، فسكن في أحد الأحياء القديمة الشعبية، كان كل يوم يجلس أمام بيته ويحمل معه قلمًا وكتابًا منذ الصباح حتى المساء، وذات يوم جاء أحد شبان الحي للترحيب به والتعرف إليه ويسأل عن سبب مجيئه إلى هذه البلاد.
أجاب الرجل على أسئلته فقال له: إنه يعمل كعلامة ولا يقوم بأي عمل آخرغير ذلك، وأنه يعيش على عطايا طلاب المعرفة من هدايا يقدمونها له، ثم أخبر الشاب بأنه يمتلك ميزة ينفرد بها عن غيره منحهُ الله له؛ وهي أنه على مقدرة بتخزين جميع علوم الأرض وفنونها وآدابها فلا يوجد أحد يسأله سؤالاً مهما كان شأنه ونوعه، إلا ويجد الجواب لديه فورًا ويكون جوابًا أكيدًا.
اندهش الشاب مما سمع ونشر حكاية هذا الرجل في الحي، وفي المساء إذ يجد الرجل عددًا كبيرًا من سكان الحي يحملون العديد من الهدايا من سلال خضار وعلب حلوى وكميات من السكر والبن، فرحبوا بوجوده بينهم وأخذوا بتوجيه الأسئلة له، فأذهل الآخرين بسعة معرفته وسرعة خاطرته، فرجعوا وهم يشكرون الله على وجود مثل هذا العالم الجليل بينهم؛ حتى يزيد من معرفتهم في جميع أمور الحياة.
ثم انتشر الخبر في الأحياء المجاورة، فأصبحت الناس تتهافت عليه من جميع الأنحاء محملين بالعطايا والهدايا ويدلون ما بدلوهم من اسئلة وهويجاوبهم على السريع، وكان هناك شاب من سكان الحي متخصص في الفقة والأدب، علم بوجود هذا العالم فأدرك من خلال حديث الناس عن أجوبة ذلك الرجل أنه محتال ومشعوذ ويستخف بعقولهم ويستغل سذاجتهم؛ حتى يعيش على حسابهم.
وفي أحد الأيام ذهب للعالم مع الناس، فتأكد من خداعه ولكن لم يتلفظ بكلمة، وفي اليوم التالي جمع الشاب الناس وقال لهم أن هذا الرجل محتال وكذاب وداهية وأجوبته كاذبة، فلم يصغوا الناس للشاب وحسبوه حسوداً، فقال لهم الشاب: عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، تعالوا نأخذ كلمة لا معنى لها أول حرف من كل إسم من أسمائكم، فكانت الكلمة خنفشار، ثم ذهبوا إلى الرجل وسألوه عن معناها، أجابهم، فسخروا منه وخرجوا دون وداع، فقد انفضح أمره ورحل إلى بلد آخر.
لذلك نستطيع أن نقول إن الاختبار المدرسى والجامعى ليس الهدف منه إهانة الطلاب لو أخفقوا فيه، ولا تكريمهم كذلك لمجرد قدرتهم على ترديد المعلومات، فالامتحان ما هو إلا وسيلة لقياس التحصيل الدراسى فقط لا غير، ولا يترتب عليه تحديد ذكاء الإنسان.