مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

أبوذِيّة العراق .. و فنّ الواو للشاعر والباحث عبد الستار سليم

2024-10-27 02:27:10 -  تحديث:  2024-11-09 02:22:51 - 
أبوذِيّة  العراق ..  و فنّ الواو للشاعر والباحث عبد الستار سليم
الشاعر والباحث عبد الستار سليم

"الأبوذية " نوع من الشعر الشعبى أو الشعر العامى أو شعر البادية  ، وهو كنوع من الغناء منتشر  فى منطقة الهلال الخصيب ( بالشام ) بشكل عام ، وفى العراق بشكل خاص  ، والتسمية هذه عراقية  صِرْفَة ، والكلمة  "أبوذية "  مركبة من (أبو)  بمعنى صاحب  و (ذيّة)  مخففة من (أذيّة ). والشعر الغنائى التراثى الشعبى المنتشر فى أرجاء الوطن العربى المترامى الأطراف ، منه ما يحظى بمكانة، مرموقة فى الغناء الشعبى الفلسطينى ، والغناء الشعبى اللبنانى ، و يردده العامة  فى كل مناسبة، مثل الفرح  والسمر والأنس.  ويسأل بعض  المتابعين لصفحتنا المتواضعة -  من خارج مصر- ممن يحبون الشعر، ويعشقون الغناء الشعبى فى شرقنا العريق، هل " الأبوذية " هو نوع من "فن الواو" ، أو تـمُتّ له بِصِلة  ؟!  والجواب (بالطبع  لا ..!) ، لأن "فن الواو" يصاغ على بحر شعرى خاص به ، وله طريقة خاصة فى التقفية ، ويُنطق بلهجة صعيد مصر 
 ومنه
(ياللى  هَواكِى   هَوَسْنَا 
ما نفَعْنا طِبّا  وْ حَجايب 
 فكّـر علينا  هَوَى  اسْنا 
وساكِنات     الحَجايب )
*****
(مَـسْكين من يُطبخ   الفاس 
 ويّريد    مَـرَق  من  حديدُه 
مسكين من يصْحَـب  الناس 
 و يْريد   من    لا    يريدُه) 
******
 أما "الأبوذية" فتُـصاغ على بحر شعرى آخر ، ولها طريقة أخرى فى التقفية ، وتُنطق بلهجة العراق..! والجدير بالذكر أن قالب التربيع - أى الشكل التربيعى -  يضم تحت مظلته أنواع كثيرة ، منها المربّع الزجلى ، و الدوبيت ، و الموال البغدادى (أو الموال الرباعى )، وفن الواو ، والعدّودة ، والرباعية ، وفن النميم ، والعتابا ، والميْجنا، والأبوذية العراقية ، وغيرها ..! و " الأبوذية" ، هى منظومة فى شكل مقطوعة  تربيعية ، تقال بلهجة أهل الخليج والشام والعراق ، وبناؤها المعمارى قريب الشبه بالبناء المعمارى للمربع الزجلى ، الذى يتكون من أربع شطرات ، الثلاث الأوَل منها بنفس القافية ، أما الشطرة الرابعة -أى القفلة - فتكون بقافية مختلفة ، لكنها تتكرّر فى  كل قفلات باقى المربعات ، لذا يسمّونها "عمود القصيدة الزجلية " ، ولا يُشترط شكل محدد لقافية هذه القفلة ، ونذكر منها قول بيرم التونسى مخاطبا "غاندى " 
( باللهجة المصرية)
(السلام  لِيك والسلامة 
من هنا لْيوم    القيامة 
ياللى  أظهرت  الكرامة 
بعد   عهْـد   المرسلين )
******
لِانْجليز عايشين فى لَـذّة 
 عندهم أسطول  وِ عِـزّة 
 وانت  تضربهم  بمِعـزة 
 سُودَة بنْت اربَع سِنين )
******
فى حين أن  "الأبوذية" تشترط أن تكون قافية القفلة- بالضرورة - منتهية بـ "ياء مشدّدة ، تليها هاء مهملة "  فى كل القفلات ،  ومنها تقول "الأبوذية" (وهى تنطق حسب نطق اللهجة العامية العراقية )
(ارتوَى  الزيْتون من دمعى  ولا راك 
ولْغيرك   ما انتهل جسمى  ولا  راك 
أخاف   اتْطوّل الغِـيبة   ولا     راك 
وقبل    وصْلك    تْـقابلنى    المنيّة )   
******
(من أهل ها الوقت قلبى درا.. هَم
نميمة وْ كِدِب  مُرّو  أصبح   دراهم 
دراهم جلاله وشرف لِلْ عِنْدُه  دراهم
وانا من ناحية الصدق  بالرد  عليّه )
******
(أمِسْ  بالطيف يا  عبّاس     شِفْتَك
أو قِتْـلَـك جرحى ذاك ال طاب شفتك
أخاف لو   بوسْتِنِى  تْذوب    شِفتك 
احتوت   وجناتى   نار    الغاضريّه )


  ******
 و "الأبوذية" شاعت فى الخليج ، ولكنها كانت أكثر شيوعًا فى العراق ، وأما لماذا تسمّت بهذا الاسم فلأن ناظمها كان   ينظمها حين تُـلمّ به حادثة مؤلمة (فيُقال إنه  أبو أذيّة ، أى صاحب بلوى ) تؤذيه ، مما تثير شجونه ، فيفصح عن آلامه ، ويقول شعرًا ،على شكل مقطوعات ، فتسَمّت المقطوعة ، باسم "أبوذية " التى صارت اسمًا لهذا الغناء ( وقالوا إن أصلها  أبو أذيّة ، وخُفّفت الهمزة الثانية ، ثم حُذفت تخفيفًا  فصارت "أبو ذيّة") ، ثم شاعت الأبوذيّة  فاستُـخدمت فى مختلف الأغراض ، فلم تقتصر على الحوادث المؤلمة فقط .
أما بناؤها المعمارى ، فيتكون  من أربعة أشطر، ثلاثة منها تنتهى بكلمة واحدة  ، متحدة فى اللفظ ، مختلفة فى المعنى- فيما يسمْى بالجناس - أما القفلة -  أى الشطر الرابع - من "الأبوذية "  فينتهى بـ ( ياء مشدّدة  تليها هاء مهملة ) 

 والجدير بالذكر أن ما تسمّى "أبوذية " فى العراق، هى نفسها ما ُتسمّى "عتابا" فى الشام  ، لكن القفلة - أى الشطر الرابع فى "الأبوذية" - تختلف عن القفلة ، أى الشطر الرابع فى " العتابا " ، والاختلاف هو أن الشطر الرابع فى العتابا ينتهى  بـ" ألف بعدها  باء ساكنة " ، مثل غاب ، و تاب ، و عاب ، وغيره ، ومن العتابا ، مثل :
( نزِل دمعى على  خدّى حرَقْـنى
مثِل   زيت   بالـمَقْـلى    حرقنى
أنا  اتْمنّيت إنى ما ربّى  خلقنى 
 خلقنى   للمرارة       والعذاب)
و
( شفافك توت  وشْفافى .....  معاصِر  
و ع  تّمى غير من توتك  ....ما عاصِر
ولو انّى  فى عهد  عنتر .....  معاصِر 
كنت     بالحب   علّمـتو.......الخطاب )
===================

* من كتاب تفانين شعرية 
للشاعر والباحث / عبد الستار سليم

مساحة إعلانية