مساحة إعلانية
"الأبوذية " نوع من الشعر الشعبى أو الشعر العامى أو شعر البادية ، وهو كنوع من الغناء منتشر فى منطقة الهلال الخصيب ( بالشام ) بشكل عام ، وفى العراق بشكل خاص ، والتسمية هذه عراقية صِرْفَة ، والكلمة "أبوذية " مركبة من (أبو) بمعنى صاحب و (ذيّة) مخففة من (أذيّة ). والشعر الغنائى التراثى الشعبى المنتشر فى أرجاء الوطن العربى المترامى الأطراف ، منه ما يحظى بمكانة، مرموقة فى الغناء الشعبى الفلسطينى ، والغناء الشعبى اللبنانى ، و يردده العامة فى كل مناسبة، مثل الفرح والسمر والأنس. ويسأل بعض المتابعين لصفحتنا المتواضعة - من خارج مصر- ممن يحبون الشعر، ويعشقون الغناء الشعبى فى شرقنا العريق، هل " الأبوذية " هو نوع من "فن الواو" ، أو تـمُتّ له بِصِلة ؟! والجواب (بالطبع لا ..!) ، لأن "فن الواو" يصاغ على بحر شعرى خاص به ، وله طريقة خاصة فى التقفية ، ويُنطق بلهجة صعيد مصر
ومنه
(ياللى هَواكِى هَوَسْنَا
ما نفَعْنا طِبّا وْ حَجايب
فكّـر علينا هَوَى اسْنا
وساكِنات الحَجايب )
*****
(مَـسْكين من يُطبخ الفاس
ويّريد مَـرَق من حديدُه
مسكين من يصْحَـب الناس
و يْريد من لا يريدُه)
******
أما "الأبوذية" فتُـصاغ على بحر شعرى آخر ، ولها طريقة أخرى فى التقفية ، وتُنطق بلهجة العراق..! والجدير بالذكر أن قالب التربيع - أى الشكل التربيعى - يضم تحت مظلته أنواع كثيرة ، منها المربّع الزجلى ، و الدوبيت ، و الموال البغدادى (أو الموال الرباعى )، وفن الواو ، والعدّودة ، والرباعية ، وفن النميم ، والعتابا ، والميْجنا، والأبوذية العراقية ، وغيرها ..! و " الأبوذية" ، هى منظومة فى شكل مقطوعة تربيعية ، تقال بلهجة أهل الخليج والشام والعراق ، وبناؤها المعمارى قريب الشبه بالبناء المعمارى للمربع الزجلى ، الذى يتكون من أربع شطرات ، الثلاث الأوَل منها بنفس القافية ، أما الشطرة الرابعة -أى القفلة - فتكون بقافية مختلفة ، لكنها تتكرّر فى كل قفلات باقى المربعات ، لذا يسمّونها "عمود القصيدة الزجلية " ، ولا يُشترط شكل محدد لقافية هذه القفلة ، ونذكر منها قول بيرم التونسى مخاطبا "غاندى "
( باللهجة المصرية)
(السلام لِيك والسلامة
من هنا لْيوم القيامة
ياللى أظهرت الكرامة
بعد عهْـد المرسلين )
******
لِانْجليز عايشين فى لَـذّة
عندهم أسطول وِ عِـزّة
وانت تضربهم بمِعـزة
سُودَة بنْت اربَع سِنين )
******
فى حين أن "الأبوذية" تشترط أن تكون قافية القفلة- بالضرورة - منتهية بـ "ياء مشدّدة ، تليها هاء مهملة " فى كل القفلات ، ومنها تقول "الأبوذية" (وهى تنطق حسب نطق اللهجة العامية العراقية )
(ارتوَى الزيْتون من دمعى ولا راك
ولْغيرك ما انتهل جسمى ولا راك
أخاف اتْطوّل الغِـيبة ولا راك
وقبل وصْلك تْـقابلنى المنيّة )
******
(من أهل ها الوقت قلبى درا.. هَم
نميمة وْ كِدِب مُرّو أصبح دراهم
دراهم جلاله وشرف لِلْ عِنْدُه دراهم
وانا من ناحية الصدق بالرد عليّه )
******
(أمِسْ بالطيف يا عبّاس شِفْتَك
أو قِتْـلَـك جرحى ذاك ال طاب شفتك
أخاف لو بوسْتِنِى تْذوب شِفتك
احتوت وجناتى نار الغاضريّه )
******
و "الأبوذية" شاعت فى الخليج ، ولكنها كانت أكثر شيوعًا فى العراق ، وأما لماذا تسمّت بهذا الاسم فلأن ناظمها كان ينظمها حين تُـلمّ به حادثة مؤلمة (فيُقال إنه أبو أذيّة ، أى صاحب بلوى ) تؤذيه ، مما تثير شجونه ، فيفصح عن آلامه ، ويقول شعرًا ،على شكل مقطوعات ، فتسَمّت المقطوعة ، باسم "أبوذية " التى صارت اسمًا لهذا الغناء ( وقالوا إن أصلها أبو أذيّة ، وخُفّفت الهمزة الثانية ، ثم حُذفت تخفيفًا فصارت "أبو ذيّة") ، ثم شاعت الأبوذيّة فاستُـخدمت فى مختلف الأغراض ، فلم تقتصر على الحوادث المؤلمة فقط .
أما بناؤها المعمارى ، فيتكون من أربعة أشطر، ثلاثة منها تنتهى بكلمة واحدة ، متحدة فى اللفظ ، مختلفة فى المعنى- فيما يسمْى بالجناس - أما القفلة - أى الشطر الرابع - من "الأبوذية " فينتهى بـ ( ياء مشدّدة تليها هاء مهملة )
والجدير بالذكر أن ما تسمّى "أبوذية " فى العراق، هى نفسها ما ُتسمّى "عتابا" فى الشام ، لكن القفلة - أى الشطر الرابع فى "الأبوذية" - تختلف عن القفلة ، أى الشطر الرابع فى " العتابا " ، والاختلاف هو أن الشطر الرابع فى العتابا ينتهى بـ" ألف بعدها باء ساكنة " ، مثل غاب ، و تاب ، و عاب ، وغيره ، ومن العتابا ، مثل :
( نزِل دمعى على خدّى حرَقْـنى
مثِل زيت بالـمَقْـلى حرقنى
أنا اتْمنّيت إنى ما ربّى خلقنى
خلقنى للمرارة والعذاب)
و
( شفافك توت وشْفافى ..... معاصِر
و ع تّمى غير من توتك ....ما عاصِر
ولو انّى فى عهد عنتر ..... معاصِر
كنت بالحب علّمـتو.......الخطاب )
===================
* من كتاب تفانين شعرية
للشاعر والباحث / عبد الستار سليم