مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (عالم جديد شجاع) " 3"

2025-01-28 08:03:48 -  تحديث:  2025-01-28 08:03:40 - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (عالم جديد شجاع) " 3"
ناصر كمال -كاتب
منبر

وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يستشرف‭ ‬المبدعون‭ ‬المستقبل‭ ‬بقدرتهم‭ ‬الفذة‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع‭. ‬فقد‭ ‬تحققت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاكتشافات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬أدبي،‭ ‬مثل‭ ‬تنبؤات‭ ‬جول‭ ‬فيرن‭ ‬عن‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬القمر،‭ ‬وجورج‭ ‬أورويل‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬“1984”،‭ ‬واستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬“الحديقة‭ ‬الآلية”‭ ‬لري‭ ‬كرزويل‭. ‬وفي‭ ‬روايتنا‭ ‬هذه،‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬هكسلي‭ ‬شكلاً‭ ‬للعالم‭ ‬نجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬انعكاساته‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المعاصر‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬العولمة،‭ ‬انتشرت‭ ‬قيم‭ ‬تضاهي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬صورها‭ ‬هكسلي‭ ‬في‭ ‬روايته،‭ ‬مثل‭ ‬نشر‭ ‬القيم‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭. ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬ركنًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬البشر‭ ‬وبرمجتهم‭ ‬منذ‭ ‬الولادة‭ ‬للامتثال‭ ‬لمعايير‭ ‬المجتمع‭.‬
في‭ ‬الرواية،‭ ‬نرى‭ ‬فكرة‭ ‬الإلحاح‭ ‬اليومي‭ ‬لأفكار‭ ‬معينة‭ ‬وترديدها‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬أثناء‭ ‬النوم‭ ‬لجعلها‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الفرد‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭. ‬وفي‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬دورًا‭ ‬هامًا‭ ‬في‭ ‬الدعاية‭ ‬لقيم‭ ‬معينة‭ ‬وبثها‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬وعبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لتبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬حقائق‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للشك،‭ ‬وتوجه‭ ‬الفرد‭ ‬للتعايش‭ ‬معها‭ ‬والاقتناع‭ ‬بها‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬الاجتماعي‭. ‬يبدو‭ ‬“الترند”‭ ‬وجهًا‭ ‬آخر‭ ‬لقولبة‭ ‬الأشخاص‭ ‬وصياغة‭ ‬أفكارهم،‭ ‬حيث‭ ‬الإلحاح‭ ‬اليومي‭ ‬لصور‭ ‬وفيديوهات‭ ‬محددة‭ ‬وترويجها‭ ‬عبر‭ ‬خوارزميات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتوجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬معين‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تطبيق‭ ‬أكثر‭ ‬حرفية‭ ‬لتقنية‭ ‬الاستنساخ،‭ ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البرمجة‭ ‬العصبية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬ما‭ ‬يراد‭ ‬ترسيخه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬المسلمات‭.‬
الانعزال‭ ‬والانفصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تعكسه‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشجيع‭ ‬العلاقات‭ ‬السطحية‭ ‬وتجنب‭ ‬العلاقات‭ ‬العميقة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يشابه‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي،‭ ‬حيث‭ ‬تهيمن‭ ‬العلاقات‭ ‬الافتراضية‭ ‬كبديل‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬إحساسًا‭ ‬بالوحدة‭ ‬والانفصال‭ ‬العاطفي‭. ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬المشاكل‭ ‬النفسية،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬علاجها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اللجوء‭ ‬للعقاقير‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الرواية

مساحة إعلانية