مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (ذكري البدايات)

2024-03-15 17:55:40 - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (ذكري البدايات)
ناصر كمال -كاتب
منبر

في بداية التسعينيات، أخبرني صديقي إسحاق روحي، وكنا وقتها طلابًا ندرس في الجامعة عن مسابقة أدبية في القصة القصيرة علي مستوي الجمهورية. وبالفعل تقدمت بقصة للمشاركة فيها، وكان قد نشر لي وقتها قصة وحيدة في صحيفة أسبوعية، فغامرت وشاركت بقصتي الثانية التي كتبتها، ورغم ذلك فازت تلك القصة بالمركز الثالث، وقد وصلني خطاب من الجهة المنظمة للمسابقة يفيد ذلك. أما عن تلك الجهة فهي جمعية أدبية وفنية مقرها في المعادي، وشعرت وقتها بأن أبواب المجد قد فتحت أمامي؛ فسوف أسافر العاصمة وسوف أستقبل استقبالًا يليق بالأدباء العظماء. ولكي أصف لكم بالضبط حالتي حينها يكفي أن أقول لكم بأنني كنت أشبه وقتها الفنان القدير “سعيد صالح” في مسرحية “هالو شلبي” الذي سافر القاهرة “بشراب آستك منه فيه” متوقعَا أن ينبهر الجميع بذلك. وأخذت شرابي أقصد خطاب الفوز، وتوجهت قاصدًا القاهرة لاستلام الجائزة، وبما أن حالتي المادية لم تكن تتحمل مصاريف السفر والإقامة، فقد اقترضت المال اللازم لذلك من أحد الأصدقاء علي أن أرد الدين من قيمة الجائزة. وحين وصلت إلي محطة مصر حجزت فندقًا رخيصًا لقضاء ليلتي الأولي به، ثم توجهت إلي عنوان الجمعية المدون بالخطاب لمقابلة المسئولين عن المسابقة، و لسذاجتي المتناهية توقعت أن يقوموا بحجز جناح لي في أحد الفنادق الكبرى. ظللت طوال ساعات أبحث في دهاليز المعادي عن مقر الجمعية حتي وجدتها أخيرًا في أحد المباني المتهالكة، بدت من الخارج غرفة صغيرة مغلقة وعليها لوحة باهتة باسم الجمعية ولا يعلم عنها أحد بالطبع شيئا.
في اليوم التالي حضرت الحفل الذي أقيم في قاعة مستأجرة في وَسَط القاهرة، وعندما نادي المنظم علي اسمي؛ قمت لاستلام الجائزة... تملكتني خيبة الأمل عندما وجدتها مجموعة من الكتب في مجالات مختلفة، ولم تحتو حتي علي كتاب واحد في الأدب. في النهاية عدت إلي دياري خالي الوفاض أفكر في كيفية سداد الدين الذي كبلت نفسي به...
- نشرت لي هذا الأسبوع في إحدي المجلات الكبيرة قصة بعنوان “فانتازيا الموت”، وتلك القصة من أوائل القصص التي كتبتها في التسعينيات، وتذكرني دائما بصديقي الشاعر الراحل الكبير محمود مغربي الذي عندما قرأ القصة وقتها أخبرني أنها تسبق عصرها؛ وفعلا نالت هذه القصة أعجاب الكثيرين من المبدعين مما يدل علي صدق حسه، وقدرته الفذة علي النفاذ لعمق النص الأدبي. ولا يسعني إلا أن أقول ما نزال نفتقدك يا صديقي الجميل.

مساحة إعلانية