مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

محمـد عبد الحميد يكتب: نظرية قلب الأرض هل يدعمها التاريخ ويؤكدها الواقع الحالي ؟

2024-12-06 08:07:10 - 
محمـد عبد الحميد يكتب: نظرية قلب الأرض هل يدعمها التاريخ ويؤكدها الواقع الحالي ؟
محمـد عبد الحميد أبو يونس
منبر

في أول عامين من الدراسة بكلية الإعلام جامعة القاهرة كنا ندرس - إلى جانب مواد التخصص -  مقررات أخرى من قبيل الثقافة العامة ، أحد هذه المقررات كان الجغرافيا السياسية وكان يُدرسها لنا أحد الأساتذة من كلية الآداب بالجامعة ، لم تكن المادة سهلة فقد كان الكتاب مترجما حرفيا وبصياغة جافة لكن أهم ما جاء به وكان يستحق الاهتمام هو ( نظرية قلب الأرض )  لجون ماكندر خلاصة هذه النظرية هي أن قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا التي تشكل نحو ثلثي اليابسة وبها معظم سكان العالم  وموارده أيضاً فإن هذه المنطقة أو الجزيرة الكبيرة هي الأهم من الناحية الاستراتيجية في العالم وأن من يسيطر على قلب هذه المنطقة يسيطر على العالم ، قلب هذه المنطقة كما حدده ماكندر هو قلب ووسط آسيا بامتداده من المحيط الهادي شرقا وحتى أوروبا الشرقية غرباً ثم عاد ماكندر ليقول إن من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على العالم
الحرب في أوكرانيا ومنذ أيام في سوريا هو ما جعلني اتذكر هذه النظرية وأعود إليها فهل يمكن الاستناد إليها في فهم حقيقة ما يحدث من صراع على النفوذ سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط وهل التاريخ يدعم هذه النظرية أم لا ؟
لو نظرنا إلى خريطة المنطقة المذكورة نجد أن معظم تضاريسها وعرة ومعزولة نسبياً بحدود طبيعية لكن ذلك لم يمنع - عبر التاريخ - محاولات عديدة من جانب الامبراطوريات المتعاقبة للسيطرة عليها ، ولعل الامبراطورية الوحيدة التي نجحت في السيطرة على هذه المنطقة بكاملها من شرق آسيا حتى شرق أوروربا هي الأمبراطورية المغولية ثم الامبراطورية الروسية التي تشغل حاليا الجزء الأكبر من قلب الأرض أما الامبراطورية الرومانية فلم تكن تتعدى حدودها حوض البحر المتوسط ومناطق قريبة منه والامبراطورية الفارسية كانت على الحدود الجنوبية لقلب الأرض وفشلت الامبراطورية العثمانية في الدخول إلى عمق هذه المنطقة كما فشلت كذلك الامبراطورية الفرنسية حينما حاولت غزو الأراضي الروسية أما الامبراطورية البريطانية العظمى فبالرغم من سيطرتها على مناطق شاسعة حول العالم في استراليا وأمريكا الشمالية وجنوب آسيا وأفريقيا فقد كانت بعيدة عن قلب الأرض. كل ذلك لا يدعم نظرية ماكندر فمعظم هذه الامبراطوريات التي حكمت لم تكن تسيطر على قلب الأرض
لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية جعل البعض يعود ليؤكد فرضيات هذه النظرية فقد بدأ هتلر بغزو دول من شرق أوروبا تم خصص مئات الآلاف من جنوده ومعداته لغزو روسيا والسيطرة عليها لكنه فشل وكبدته هذه الجبهة معظم خسائره في الحرب التي انتهت بدخول الحلفاء برلين وكونت هذه الدول المنتصرة مجلس الأمن وهي صاحبة القرار فيه حتى اليوم كما أن انقسام الحلفاء بعد هذه الحرب إلى معسكرى الناتو ووارسو وما تبع ذلك من حرب باردة دارت رحاها الاستخباراتية والإعلامية في أوروبا الشرقية حتى انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي ودخول العديد من دول أوروبا الشرقية في حلف الناتو وكانت هذه مرحلة سيطرة مؤقتة للمعسكر الغربي وهيمنته على القرار الدولي

ومع تولى فلاديمير بوتين زمام الحكم في روسيا استطاع أن يعيدها قوية كما كانت ليدخل في صدام مع الغرب على جزء هام من قلب الأرض فضم شبه جزيرة القرم وها هو يحارب الغرب في أوكرانيا ولئن نجح في ضمها فليس من المستبعد تكرار هذه الخطوة مع بلغاريا أو النمسا أو المجر وبعدها غرب أوروبا وهو ما تخشاه دول أوروبا الغربية وأمريكا وهذا هو السبب المباشر  لدعمها لأوكرانيا وما يحدث حاليا من محاولة الفصائل المسلحة احتلال أراضى سوريا لا يمكن تصنيفه إلا تحت الصراع على النفوذ بين قوى كبرى على جزء مهم من منطقة استراتيجية لا تبعد كثيرا عن قلب الأرض
يبقى في النهاية أن نظرية قلب الأرض وإن كان يبدو أن عناصرها تتحقق فعليا على الأرض في بعض الأوقات إلا أن لهذه النظرية معارضيها  وحججهم كثيرة منها أن أمريكا تحكم العالم وبعيدة عن قلب الأرض والأسلحة الحديثة المتطورة تستطيع الوصول إلى أى مكان في العالم وأن معايير القوة الاقتصادية صارت تتفوق على المعادلة العسكرية أحيانا في تحديد معايير النفوذ والسيطرة

مساحة إعلانية