مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

محمد دياب يكتب: أزهر مصر.. درع الفتوى وحصن الأمة

2025-05-14 15:19:34 - 
محمد دياب يكتب: أزهر مصر.. درع الفتوى وحصن الأمة
منبر

منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام، كان الأزهر الشريف في قلب الأمة الإسلامية، منارة للعلم والتنوير، ومصدراً لا يُنكر للفتوى المستنيرة. كيف لا، وهو أقدم جامعة في التاريخ؟ في كل زاوية من زواياه، كانت تُزرع بذور العلم، وتُغرس قيم الوسطية والاعتدال. خرجت منه أجيال من العلماء الأفذاذ الذين أضاءوا طريق الأمة، على رأسهم فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، الذي قاد الأزهر بعلم وحكمة، ونشر مبادئه السمحة في جميع أنحاء العالم

إلا أن ما يعكر صفو هذا التاريخ العريق هو محاولات البعض المتكررة لتشتيت المرجعية الدينية وتفكيك هياكل الفتوى، بما يُثير الشكوك ويُغذي البلبلة في أوساط المسلمين. مع تقدم التكنولوجيا وتوسع منصات الإعلام، أصبح كل من له رأي أو منصة يُفتي في الشأن العام دون ضوابط أو علم، فتعددت الفتاوى وتناقضت في مسائل شتى، بل وتجرأ البعض على التلاعب بالمفاهيم الدينية لصالح مواقف وأهواء شخصية

وللحفاظ على وحدة الفتوى ومصداقيتها، جاء قانون "توحيد مصدر الفتوى" ليحدد مصدراً موحدًا للفتوى، ويفرض رقابة من قبل لجان مختصة تابعة لوزارة الأوقاف، والتي تلتزم بتوجيهات هيئة كبار العلماء بالأزهر. ويضع هذا القانون ضوابط صارمة تضمن الحفاظ على قدسية الشريعة ورؤية الأزهر الوسطية، مع فتح باب الاجتهاد في نطاق الدراسات والبحوث الدينية. وقد كان هذا القانون خطوة حاسمة في سبيل إنقاذ الأمة من فوضى الفتوى

لكن، وكالعادة، كان هناك من يرفض أي خطوة نحو تنظيم الفتوى. إذ لم تمر 24 ساعة على صدور هذا القانون حتى سمعنا اعتراضات من بعض الأفراد الذين لا يتورعون عن إثارة الجدل. هؤلاء الذين طالما أطلقوا تصريحات تساوي بين الرجال والنساء في الميراث، متجاهلين نصوصاً قرآنية لا تقبل التأويل. وتحت مظلة حرية الرأي، حاولوا خلق حالة من الشك حول القانون، متهمين إياه بأنه يحاصر الاجتهاد، في محاولة منهم لإبقاء الساحة مفتوحة للفوضى الفكرية

إن مثل هذه الآراء لا تضر فقط بنظام الفتوى في مصر، بل تشوه صورة الأزهر الشريف، الذي يبقى المرجعية الدينية الأولى في العالمين العربي والإسلامي. ولا يجب أن يُسمح لمن يروج لهذه الأفكار بالمساس بهيبة هذا الصرح العلمي الكبير. من المؤكد أن الأزهر الشريف يجب أن يواجه هؤلاء بحزم، وأن يتصدى لهم بكل قوة، فالأزهر هو الذي يملك الحق الأصيل في تقويم أفراده وأساتذته

في النهاية، يجب أن يكون الجميع على وعي كامل بأن الفتوى مسؤولية عظيمة، ويجب أن تبقى في أيدٍ أمينة، قادرة على حمل هموم الأمة دون التفريط في الثوابت. أما من يحاول نشر الفوضى والتشكيك في المؤسسات الدينية، فإنه لا يساهم إلا في تقويض الاستقرار المجتمعي، وزرع بذور الفتنة بين المسلمين.

مساحة إعلانية